المنطق الأرسطي Aristotelian Logic
قوام المنطق هو الحجج، وقوام الحجة هو القضايا. في الحلقات السابقة ناقشنا بقدر من التفصيل أساليب اللغة المستخدمة عند صياغة القضايا، لكن اللغة أحد أدوات صناعة الحجة، الاداة الاخرى هي التركيب أو العلاقات بين قضايا الحجة. الحجج الاستنتاجية deductive arguments هي الجدليات التي ندعي أن قضايا المقدمة بها تبرهن بما لا يدع مجال للشك على النتيجة. اى ان البرهان مطلق حول حقيقة نتيجة الحجة. إن صح ادعاء المقدمة اى ان كانت قضايا المقدمة حقيقية، إذن لابد من حقيقة النتيجة، وفي تلك الحالة يطلق على الحجة الاستنتاجية صالحة Valid. الحجة الاستنتاجية قد تكون في حالة واحدة ممكنة فقط من حالتين إما صالحة أو غير صالحة. وبالتالي الحجة الاستنتاجية الصالحة لابد أن تبرهن مقدماتها على نتيجتها (أرجع لحلقة أسس علم المنطق). الاستنتاج Deduction يسعى لتفسير العلاقات بين المقدمات والنتيجة في الحجج الاستنتاجية. من خلال وضع طرق وآليات لتقييم صلاحية الحجة. الفلاسفة وعلماء المنطق وضعوا نظريتين أساسيتين للاستنتاج داخل علم المنطق. الأولى هي منظومة المنطق الكلاسيكي classical logic او يطلق عليها البعض المنطق الأرسطي Aristotelian logic نسبة لمؤسس المنظومة الفيلسوف الإغريقي أرسطو. والثانية هي منظومة المنطق الحديث modern logic أو المنطق الرمزي symbolic logic التى تطورت خلال القرن التاسع عشر والعشرين. في الحقيقة أرسطو Aristotle كان أحد القمم العقلية الشاهقة في العالم القديم، بعد دراسته في أكاديمية أفلاطون، أصبح معلم للأسكندر الأكبر، وبعدها قام بتأسيس مدرسته الخاصة الليسيوم Lyceum التي من خلالها شارك أرسطو تقريبا في كافة المجالات العقلية والبحثية المعروفة وقتها، وساهم تقريبا في كافة مناحي المعرفة البشرية. ومساهمته الكبرى حول العقلانية البشرية وجدت بعد موته وعرفت الارغانون Organon أى الالة، آلة المعرفة الانسانية. لكن مصطلح المنطق Logic لم يجد طريقة الى اللغات البشرية حتى القرن الثاني قبل الميلاد، لكن معناه والقضية التى ناقشها عرفت قبل اسمة بقرون عديدة على يد أرسطو في الارغونان. والمنطق الأرسطي كان ومازال القاعدة المتينة لعملية التفكير والتحليل العقلاني منذ الالاف السنين. خلال تلك السنين تم إعادة صياغة الكثير من مبادئه وتعريف العديد من قواعد، وتحسين وتطوير أدواته، لكن بقت هذه المنظومة الكلاسيكية للعقلانية قوة هائلة ناعمة لمن أمتلكها. الأورغانون شمل ست كتب رئيسية
(1) كتاب المقولات The Categories وهو الكتاب الذي عالج فيه أرسطو التصورات الأساسية
(2) كتاب التأويل On Interpretation وأهتم فيه أرسطو بتحليل القضايا والاحكام
(3) كتاب التحليلات الأولى The First Analytics وهو الموضع الأول في الأورغانون الذى عرض فيه أرسطو نظرية القياس
(4) كتاب التحليلات الثانية The Second Analytics المكون من جزئين وعالج فيها أرسطو بقدر كبير من التفصيل نظرية البرهان
(5) كتاب الجدل أو الطوبيقا Topics المتكون من ثمان أجزاء رئيسية لخص فيها أرسطو كل ما يتعلق بالجدل، البرهان الاحتمالي أو نظرية الاحتمال.
(6) وأخيرا كتاب دحض المغالطات أو السفسطيات On sophistical refutations وعالج فيه بتفصيل كبيرة تصنيفه للمغالطات المنطقية وطرق دحضها والذى تعرضنا له بقدر من التفصيل في الحلقتين السابقتين.
وفي الواقع أرسطو في تصنيفية للعلوم وضع المنطق خارج هذا التصنيف الامر الذى كان ومازال موضع حيرة وبحث الدارسين، قد يكون هذا لان أرسطو أراد تمييز المنطق عن بقية العلوم من حيث اتصالها المباشر بالواقع في حين أن المنطق يتمثل في تحقيق غاية منهجية كلية لا تتصل بشكل مباشر بالواقع الخارجي كما هو الحال في غاية العلوم الطبيعية. وقد يكون لان قضايا العلم عند أرسطو كما كانت ومازالت عند العلماء غير قابلة للبرهان القطعي دائما، في حين ان المنطق ليس كذلك. أيا كان السبب وراء عدم تصنيف أرسطو للمنطق داخل تصنيفية للعلوم الطبيعية ( الأمر المتخصص والخارج عن إطار بحثنا الحالي)، أرسطو فطن لان المنطق ضروري لكل العلوم الطبيعية، أو هو نسق القواعد التى من خلالها يمكن الاستنباط، وبالتالي تمكن العلم كآلة أستنباطنية في الواقع الخارجي. وبالتالي المنطق عند أرسطو ليس علما كسائر العلوم، وإنما هو علم كل العلوم وبالتالي لا يمكن تصنيفه أو إدراجه داخل تصنيف العلوم، لأنها قائمة عليه وضعية محدودة بالزمان والمكان، أما المنطق كلي غير محدود لا بالزمان أو المكان.