EP50: Scientific Revolutions الثورات العلمية

تخيل انك طبيب أعصاب بدأت عملك في مستشفي العام بمدينة نيوورك بعد رحلة طويلة قضيتها في التعلم والبحث داخل معملك، خجول، منطوي، لكنك مشبع بالطاقة، النشاط، والامل في علاج مئات المرضى. المستشفي مليئة بالمرضى المصابين بوباء ظهر وانتشر في العشرينيات الثبات العميق، بشر على قيد الحياة بتتحرك، تتنفس، تاكل وتشرب، لكنهم فاقدين القدرة على التحكم الارادى في اعضاء جسدهم، بيتكلم بصعوبة زى الاطفال من الصعب فهمهم، اعضائهم بتتحرك طوال الوقت فى حركات عفوائية غريبة، لينورد احد هؤلاء المرضى اصيب المرض وهو في شاب، دخل المستشفى من 30 سنة ومازال على تلك الحالة، الاطباء مش عارفين اية اللى بيدور في عقلة، ما حدش عارف ان كان فى اى شئ بيدور في عقلة! .. الاطباء فقدوا الامل في علاج المرضي اللى على تلك الحالة، وبقت مهمة المصحة ابقائهم على قيد الحياة! .. في بداية تعاملك مع المرضى بتكتشف انهم قادرين على الاستجابة لبعض المخفزات والتحكم احيانا في عضلاتهم، مثلا التقاط كرة بتقذها ناحيتهم، او لما بتلمس ايديهم رعشات بتسرى في جسدهم، والمفاجأة لما لينورد بيحاول بصعوبة بالغة يكتب أسمة على ورقة في منتصف الليل قدامك! .. بعد حضورك محاضرة علمية عن عقار L-Dopa الجديد وآثرة الاولية الناجحة في علاج مرضى الشلل الرعاش، بتكون فرضية ان العقار من الممكن ان يكون له تأثير في حالة المرضى بتوعك. بتعرض  فرضيتك زملائك في المستشفى ومُلاحظتك الاولي بان المرضى مازالوا واعين لكنهم غير قادرين على التحكم في عضلاتهم والمخ ليس في حالة ثبات كما كان الاعتقاد الشائع، لكنهم ضحايا حالة متأخرة من مرض الشلل الرعاش، والازدياد الشديد في اشارات التحكم في الحركة من المخ بتشوش على بعضها، فبتجعلهم فى حالة تشبة الثبات العميق، مش قادرين يتحركوا لان كل اعضائهم بتحاول تتحرك في نفس الوقت، والمخ غير قادر على تحديد الحركة المناسبة. زملائك بيرفضوا نظريتك، وبيعتبروها نوع من المبالغة و التخيل في وصف الحالة لان لاتوجد ادلة كافية على طرحك. لكن شئ ما بداخلك بيأكد لك انك على الصواب. بتجرى تجربة على لينورد بتعطية فية عينة كبيرة من العقار لاعتقادك ان حالتة متأخرة من الشلل الرعاش، .. النتائج فاقت كل توقعات، لينورد صحى من حالة الثبات والشلل اللى كان عليها. وبدأ في الكلام والتحكم في اعضائة زى باقي البشر الطبيعية! .. النجاح الكبير في حالة لينورد اعطاك دافع لطلب دعم مادى من ادارة المستشفي لطبيق العقار على مجموعة اخرى من المرضى، تكلفة العقار مرتفعة وادارة المستشفي اللى مازالت متشككة في نظريتك بترفض في بداية الامر، الا ان بعد ما بيشوفوا الممرضات والاطباء الاخرين بيتبرعوا بجزء من دخلهم لتوفير العقار، بتقرر دعمك المادى. لينورد بيبدأ في التأقلم مع حياتة الجديدة، بيتكلم، بيقرأ الجرائد، بيحاول يحصل قدر المستطاع اللى فاتة في الثلاثين عام السابقة، بيخرج تحت اشرافك من المستشفي يقابل البشر في الشوارع، يركب الاوتبيسات، بيزور بيتك، بيعوم في البحيرة. عينيك بتدمع وانت بتشوف لينورد بيتولد من جديد بيستمع بالاشياء البسيطة المتوفرة لكل الشر ونسيوا معجزة الحياة اللى بتحصل امامهم كل يوم! .. لينورد بيقابل بنت احد المرضى بتزور ابوها في المستشفي، بيتعرف على مشاعر الحب للمرة الاولي في حياتة! .. الحب والامل في الحياة بيدفعوة للرغبة في كسر القيود الموضوعة علية، بيطلب الخروج من المستشفي لانة شايف انه مش مسجون، ومش خطر على احد الان. ادارة المستشفي بترفض لانها مازالت متشككة في علاجة وشفائة التام. لينورد بيغضب بسبب القرار، بتبدأ تلاحظ ظهور حركات عفوائية جديدة بسيطة فى تصرفات لينورد غير قادر على التحكم فيها. السعادة بنجاح العقار بتبدأ في التراجع مع ازدياد الحركات العفوائية عن لينورد، يبدو ان تأثير العقار كان مؤقت، صحوة لينورد الاولي، بدأت تظهر تبعيتها المخيبة للآمال. لينورد بدأ يتخبط في حركتة، ويتعلثم في الكلام، والمرضى الاخرون اللى اخذوا العقار بدأوا يشفوا حالتة بتتدهور وبسألوك ان كان المرض هيرجع لهم تاني! .. لينورد بيحاول يقاوم الرعشات والحركات العفوائية، بيطلب منك انك تصور تطور حالتة وتسجلها علشان تساعد البحث المستقبلي اللى من الجائز يساعد الاخرين المصابين بنفس الحالة. في مقابلتة الاخيرة مع حبيبتة لينورد بيطلب منها انها ماتزروش تاني بعد تردى حالتة، بيحاول بصعوبة بالغة يسطير على عضلاتة علشان يقف ويسلم عليها، لكنه مش قادر يفك اصابعة ايدية من ايديها، بتحط ايده حوالين وسطها وبتساعدة يرقص معاها في هدوء وسكينة للمرة الاخيرة. لينورد بيعود لحالة الثبات العميق مرة اخرى فاقد القدرة على الكلام والحركة الطبيعية، والمرضى الاخرون تباعا واحد بعد الاخر. بتلقي محاضرة امام المجتمع العلمى وادارة المستشفى بتقول فيها بالرغم من ان الصحوة كانت مؤقتة ولم تستمر، الا انك تعلمت منها اننا يجب ان نقدر نعمة الحياة،  من الممكن اننا نقول ان العقار فشل، او ان المرض عاد، او ان المرضى فقدوا قدرتهم على التكيف مع الحياة الطبيعية، لكن الواقع اننا لانعلم على وجهة اليقين ماذا جعلهن يتعافون في البداية او ماذا جعل المرض يعود مرة أخرى! .. لكن ما نعلم هو ان بالرغم من ان صحوة العقار انتهت، لا ان صحوة اخرى حلت مكانها، النفس البشرية اقوى من اى عقار، وهذة هى المنحة التى يجب ان نرعها، بالعلم، اللعب، الصداقة، والاسرة .. تلك هى الاشياء المهمة التى نسيناها .. الاشياء البسيطة .. معنى الحياة!

MV5BMGVmYzA0OGEtOWQ2MS00ZTEyLWJkODctZjM5MzY3YmEwNzhlL2ltYWdlL2ltYWdlXkEyXkFqcGdeQXVyNDAxOTExNTM@._V1_.jpg

محاور

العلم بين العقلانية، الواقعية، والنسبية، هيكل الثورات العلمية، النماذج الفكرية، العلم المألوف، أزمات النموذج الفكري، التغيير العلمي، الثورات العلمية، استقلال النظرية، انعدام قابلية القياس للمقارنة، نسبية المعرفة العلمية

العلم بين العقلانية، الواقعية، والنسبية  Science between Rationality, Realism, and Relativism

Black-Hole-Image.jpg

الطريقة العلمية من المفترض انها عمل عقلاني يهدف للحصول على المعرفة المجردة الموضوعية عن العالم. عندما نقول موضوعية المقصود أنها ليست وليدة النزوات والنزعات الفردية، وبالتالي من الممكن أن تعتنقها جموع البشر، بغض النظر عن معتقداتهم، او قيمهم الشخصية. يعني مثلا لو فرضنا ان حقيقة موضوعية علمية هى ان التدخين يسبب سرطان الرئة، او أن المعادن تتمدد بالحرارة اذن لابد وان المؤمنين، الملحدين، المدخنين، وغير المدخنين، المحافظين، والعلمانين أو يصدقوا تلك الحقائق إن كانوا اناس عقلانية. رحلة بحثنا عن الطريقة العلمية بدأت بالاستقراء السطحي naïve inductivism الذي طرحة فرانسس بيكون Bacon لطرح وتطوير  النظريات العلمية ودافعت عنه مدرسة الوضعية المنطقية، وتعرضنا لقابلية النفي falsificationism  لبوبر Popper  التي ركزت بشكل أساسي على اختبار النظريات العلمية. وكما رأينا في في طرح بوبر المهم التفريق ما بين إطار الاكتشاف وإطار التبرير في العملية العلمية، العلماء قد يستمدوا الالهام والوحي من مصادر غير عقلانية بالمرة زى الاحلام، روايات الخيال العلمي، أو حتى المعتقدات الخارقة للطبيعة! وبالتالي يصبح أطار الاكتشاف خارج نطاق العقلانية! لكن على النقيض اطار التبرير محكوم تماما بقواعد العقلانية، وبتالي ضامن لموضوعية المعرفة العلمية. المعارضين لأفكار بوبر طالبوا بصور أكثر تعقيدا من  الاستقراء عادة ما تشتمل على أفكار إحصائية وإحتمالية. أحد أهم انصار الفكرة دى كارنب Carnap  أحد اهم قادة حركة الوضعية التجريبية logical empiricism (أرجع لحلقة إشكالية المنطق والتجريبية. من الممكن اختصار الافكار الرئيسية لديفيد هيوم، كارنب، وبوبر كالاتي: هيوم أعتقد أن العلم استقرائي غير عقلاني! بوبر أعتقد ان العلم ليس استقرائي وعقلاني، وكارنب أعتقد أن العلم استقرائي و عقلاني! لكن في الستينيات من القرن الماضي، كان هناك ثورة أكبر على وشك الحدوث تزلزل كلا من فلاسفة الواقعية والعقلانية العلمية، ثورة اندلعت على ايد مؤرخ وفيلسوف العلم الأمريكي توماس كون Thomas Kuhn  اللى طرح رؤية مخالفة للثلاث صور السابقة وهي أن العلم لا أستقرائي ولا عقلاني!

images (1)

كارل بوبر و فلاسفة الوضعية التجريبية زى كأرنب اختلفوا حول إشكالية الاستقراء. من ناحية بوبر أعتقد ان التأكيد confirmation مستحيل، في حين أن كارنب أعتقد ان من الممكن وضع نظرية محددة لمنطق تأكيدي. ده بالاضافة للأختلاف الجوهرى ما بين بوبر وفلاسفة الوضعية التجريبية حول طريقة ترسيم الحدود demarcation مابين العلم الحقيقي والعلم الزائف. انصار الوضعية المنطقية حاولوا ترسيم الحدود ما بين مالة معنى وماليس له معني بالجدال ان معني التعبير من الممكن الحصول علية من خلال طريقة تأكيدة. مثلا درجة حرارة الماء عند نقطة الغليان 100 مئوية. معنى الجملة  في مواصفات التجربة اللى من الممكن اجرائها لتأكيد الجملة، مواصفات البيئة وشروطها اللى من خلالها يمكن لنا التحقق من صحة الادعاء، في الحالة دى مثلا ترمومتر لقياس الحرارة! لكن طريقة بوبر لترسيم الحدود كانت مختلفة تماما، بوبر لم يكن مهتم بمعني الجمل، لان جملة زى “هناك بجعه سوداء” جملة صحيحة ذات معني لكنها غير قابلة للنفي! .. لكن من المهم ان اوضح لك بالرغم من ان كان في نقط خلاف جوهرية ما بين بوبر و فلاسفة الوضعية المنطقية، إلا ان نقط الاتفاق ما بينهم ايضا كانت عديدة. على سبيل المثال بوبر و فلاسفة الوضعية المنطقية اتفقوا على أن

(1) العلم تراكمي cumulative اى ان العلماء يبنوا على نجاحات العلماء السابقين عليهم، العلم عملية تطور ونمو في شجرة معرفتنا عن العالم، الصورة دى بتختلف بحدة مع النشاطات البشرية الاخرى زى الفن، الادب، و الفلسفة في كثير من الاحيان اللى التطور فيها عادة ما بيكون فيها صدامي وثورى على السابقين

(2) العلم موحد  unified من حيث انه مجموعة موحدة من الطرق الاساسية لكل انواع العلوم، كل العلوم الطبيعية على الأقل من الممكن اختزالها في الفيزياء ( الاختزالية Reductionism فكرة محل جدال كبير اليوم بين فلاسفة العلم لكن على اى حال المقصود بما ان كل شئ في العالم مصنوع من المادة في صور و تركيبات معقدة، إذن لابد وأن قوانين الأحياء لابد وان تكون مشتقة من قوانين الكيمياء، وقوانين الكيمياء لابد وان تكون مشتقة من قوانين الفيزياء).

(3) هناك فرق معرفي epistemological جوهري ما بين إطار الاكتشاف وإطار التبرير. ادلة المعرفة العلمية لابد وان تقيم بدون الاشارة الى المصادر السببية لتلك المعرفة او الافراد المسؤولين عنها، بصورة ابسط صحة الفرضية مستقلة عن الشخص، الطريقة، او الاطار اللى وضعت فيه الفرضية

(4) هناك منطق أساسي للتأكيد  confirmation   أو النفي falsification في كل التقييمات العلمية للفرضيات. وكل هذه التقييمات محايدة ومستقلة   value-free عن معتقدات و تحيزات العلماء الشخصية

(5) هناك حدود واضحة المعالم demarcation ما بين النظريات العلمية واى نوع من انظمة الاعتقاد الاخرى

(6) المصطلحات العلمية لها معاني ثابتة واضحة ومحددة.

لكن نقاط الاتفاق ما بين فلاسفة الوضعية المنطقية وبوبر على خلاف كبير مع نظرية كون عن العلم.

هيكل الثورات العلمية The Structure of Scientific Revolutions

220px-Thomas_Kuhn.jpgكوهن كان عالم فيزياء physicist أصبح مهتم بتاريخ العلم وخصوصا الثورة الكوبرنيكية Copernican revolution. الصورة التقليدية الرائجة في كتب التاريخ و مقررات المدارس عن الثورة الكوبرنيكية هو ان كان هناك صراع ما بين جاليليو  Galileo والكنيسة الكاثوليكية Catholic Church، معركة العقلانية والتجربة على جانب والخرافات والعقائد الدينية علي الجانب الاخر. المؤرخين والعلماء اقترحوا ان جاليليو وآخرون وجدوا من خلال البيانات التجريبية أن الرؤية الارسطوطالية Aristotelian view  غير متسقة مع طبيعة الكون. كوهن أدرك أن الموقف كان أكثر تعقيدا من الرؤية البسيطة دى، وجادل أن التغيرات الكبرى او الثورات في العلم غير متسقة مع طرح فلاسفة الاستقراء وفلاسفة قابلية النفي عن الطريق  العلمية. في عمله الأهم وأحد أهم أدبيات فلسفة العلم على الإطلاق “بنية الثورات العلمية The Structure of Scientific Revolutions” اللى نشرة سنة 1962 (لو كنت من الدارسين، المتخصصين، او المهتمين بموضوع فلسفة العلم لابد لك من قراءة هذا العمل الجوهرى) .. كون طرح طريقة مختلفة تماما حول منظومة عمل الطريقة العلمية والمعرفة الناتجة عنها! .. فلسفة العلم تغيرت بشكل جوهري بعد طرح كون، اللى اثر بشكل عميق في مناقشات فلاسفة العلم، ومنظومة عمل العلم بشكل عام. وأعتقد مش هكون ببالغ لو قلت ان هو السبب الرئيسي في انتشار كلمة النموذج الفكري paradigm من خلال نظرتة عن تحولات النموذج الفكري paradigm shifts. كون جادل ان طرح العديد من العلماء لتاريخ موضوع بحثهم العلمي عادة ما بيميل للتبسيط، وتشوية القصص الحقيقية لتطور وتغير النظريات العلمية. كون ارجع هذا لان مُلخصات تطور البحث العلمي عادة ما بتكون بهدف دعم النظريات المعاصرة، وليس بهدف طرح صورة حقيقية امينة لتاريخ البحث بتعقيد اتة المتعددة. وشبه العلاقة ما بين كتب تاربخ العلم وماحدث فعلا في الحقيقة بكتب الارشاد السياحية وحقيقة ثقافة الشعوب. كتب الارشاد السياحي بتركز على المعالم السياحية القادرة على تنشيط السياحة في تلك المنطقة، الاثار، المتاحف، المقاهي والمطاعم الفاخرة، الخ. .. وتقلل من220px-Structure-of-scientific-revolutions-1st-ed-pb.png أهمية او بتهمل تماما جوانب اخرى هامة زى الاحياء السكنية العادية، مقالب القمامة، اماكن الفوضى، الخ. بالرغم من ان قصة الثورة الكوبرنيكية والثورات العلمية الاخرى عادة ما بتقص على انها انتصار للمنطق والتجربة على الخرافة والجهل، كون بيجادل ان “إذا كانت هذه المعتقدات القديمة تسمى الأساطير ، أذن فيمكن انتاج الأساطير بنفس النوع من الأساليب وتحتفظ لنفس الأنواع من الأسباب التي تؤدي الآن إلى المعرفة العلمية”! .. ثم بيشير الا ان المعتقدات المهجورة اللى كانت علمية في وقت ما أصبحت غير علمية، وبالتالي تاريخ العلم غير قائم على تراكم المعرفة العلمية، لكن على هجر التجارب العلمية الماضية برمتها! .. لو فاكر من الحلقة السابقة إشكالية دوهيم (أرجع لحلقة قابلية النفي) كوين ودوهيم اظهروا ان اختبار النظرية ليس مباشر كما يريد البعض ان يعتقد زى كارل بوبر. لان عند تعارض التجارب مع النظرية العلمية، المنطق وحدة غير كافي لأخبارنا اى مكونات منظومة الاختبار مسؤول عن الفشل. على الرغم من أن الملاحظة والتجربة تقيد بالتأكيد المعتقدات العلمية إلا أنها لا تحددها! ومن هنا كون بيجادل ” إن العنصر العشوائي مصحوب بعناصر شخصية وتاريخية، هو دائما عصر مُكون للمعتقدات  التي يتبناها مجتمع علمي معين في وقت معين!” .. طبقا لكون تطور النظريات العلمية بيعتمد بشكل أساسي على الظروف التاريخية المصاحبة، وتحليلة للعلاقة ما بين النظرية والملاحظة بيقترح ان النظريات بتؤثر على صناعة البيانات بدرجة كبيرة بتجعل من المستحيل جمع الملاحظات من الممكن ان يكون محايد او موضوعي! .. وبالتالي درجة تأكيدالتجربة للفرضية غير موضوعية بالمرة، ولاتوجد اى طريقة منطقية واحدة لأختبار ان كانت النظرية مبررة بالدليل! .. وبيعتقد ان بدلا من  ذلك ، أن قيم العلماء تساعد في تحديد ، ليس فقط كيفية تطوير العلماء لنظريات جديدة بشكل مستقل ، ولكن أيضًا اى النظريات العلمية التي يعتبرها المجتمع العلمي ككل مبررة. لكن من أهم المشاكل اللى بتواجة قارئ اعمال كون واطروحاتة، هو التفريق بين ما هو وصفي descriptive وماهو معياري normative . او بصورة ابسط التفريق بين ماهو قائم، او الحالة الكائنة في مقابل ما يجب ان تكون علية الأشياء! ده كان من النقد المهم جدا اللى وجه لكون، واعترف بة في كتابات لاحقة، وهتلاحظ عند قرائتك لهيكل الثورات العلمية (اللى لابد وان يكون في قائمة ال 100 كتاب اللى يجب ان تقرأها خلال حياتك) ان من الصعب جدا التفريق في كثير من الاحيان ان كان كون بيتكلم عن كيف يعمل العلم الان، ام ان كان بيتكلم عن كيف يجب ان يعمل العلم، اللى بالضرورة بيجعل من الصعب فهم ان كان ادعائة ان تلك الطرق جيدة ام سيئة! .. قرائتى الشخصية لكون بتميل لانة طرحة في معظمة كان معياري اى عن كيف يجب ان يعمل العلم؟ .. وماذا قد يضر العلم؟!

النماذج الفكرية Paradigms 

jx776d7f-1343800036.jpg

أهم أطروحات توماس كوهن الفلسفية هى فكرة النموذج الفكري العلمي scientific paradigm اللى ماطرحش معناة بوضوح وفي كثير من الاحيان يبدو مصطلح واسع التطبيق والمعنى. لكن من الممكن أننا نحدد تطبيقين قريبين من فكرة النموذج الفكرى. (1) كمصفوفة انضباطية disciplinary matrix. ثانيا كمثال exemplar .النموذج الفكري  Paradigm عند كون هو حزمة من الادعائات حول طبيعة العالم، الطرق والادوات المستخدمة لتحصيل المعرفة وتحليل البيانات من الطبيعة، والعادات والتقاليد القائمة داخل الجماعة العلمية! هو رؤية لطبيعة الواقع والتعامل معة ان صح التعبير. لكن كون قدم رؤية ضيقة او اكثر تحديدا لفكرة النموذج الفكري، فيها كون جادل ان احد الاجزاء الرئيسية في النموذج هو الإنجازات المحددة، اوالنموذج exemplar. الانجاز او النموذج ده قد يكون تجربة ناجحة جدا، زى مثلا تجارب مندل على النباتات، اللى اصبحت الاساس اللى قام علية علم الوراثة الحديث modern genetics. او قد يكون النموذج مجموعة من المعادلات الرياضية، او القوانين الفزيائية زى مثلا قوانين نيوتن 220px-GodfreyKneller-IsaacNewton-1689للحركة Newton’s laws of motion، او معادلات ماكسويل للمجال الكهرومغناطيسي  Maxwell’s equations of electromagnetism. أيا كان النموذج، الانجاز بيكون مصدر الهام للعلماء والباحثين العاملين في هذا المجال، وبيقدم وصفة لكيفية البحث عن المعرفة في العالم. كون بيجادل ان قبل ما عملية البحث العلمي تبدأ في مجال ما، المجتمع العلمي لابد وان يتفق أولا على اجابات للأسئلة الاساسية، مثلا ما هي الكائنات الموجودة في الكون؟ .. وكيف تتفاعل تلك الكائنات مع بعضها بعض ومع حواسنا؟ .. واى نوع من الاسئلة من الممكن ان نسألها حول طبيعة تلك الكائنات؟ . وما هو الذى يمكن اعتبارة دليل على النظرية؟ .. ماهي الاسئلة المحورية للعلم؟ .. وماالذى يمكن اعتبارة حلول للمشكلات؟… ومايمكن اعتبارة تفسير للظواهر الطبيعية؟ .. فى رؤية النموذج الفكري كمصفوفة انضباطية disciplinary matrix هي مجموعة من الاجابات على تلك الاسئلة الاساسية بيتعلمها العلماء خلال مرحلة اعدادهم للبحث العلمي، هذة الاسئلة والاجابات عليها بتصنع الاطار الفكري الذى يعمل بداخلة العلم. بعض جوانب هذة المنظومة قد تكون صريحة وبعضها قد يكون ضمني، وبعضها الاخر قد يكون مجموعة قيم مشتركة قد يفضلها بعض العلماء. وبعض الجوانب قد يتكون من مهارات عملية وطرق لايمكن التعبير عنها من خلال الكلمات احيانا. ودة في وجهة نظر كون اللى بيجعل النموذج الفكري مختلف عن النظرية، لان مصفوفة الانضباط بتحتوى على مهارات تمكن العلماء من تشغيل الاجهزة التكنولوجية، مثلا ازاى توجيه التلسكوب وتركز بؤرته على نقطة معينة في الفضاء، ومهارات تجريبية زى مثلا كيف تحول الملح لبلورات من خلال تفاعل 200px-Russell,_Whitehead_-_Principia_Mathematica_to_56.jpgكيميائي ما، المهارة اللى لابد من تعلمها من خلال تجربة عملية. المهارات دى عادة ما بيطلق عليها ( المعرفة الضمنية tacit knowledge). على الجانب الاخر تحت رؤية النموذج الفكرى كمثال:  النموذج الفكري بيكون هو كل التجارب والخبرات الناجحة في العلم اللى بيدرسها العلماء وبتصبح نموذج عمل مثالي بالنسبة لهم لأستخدامة فى بحثهم المستقبلي. لو كان مجال تخصصك علمي او درست بشكل نظامي العلم الحديث، تتذكر من كتب الدراسية أمثلة قياسية عديدة والحلول لها، الطلبة بيمارسوا العديد من تلك المسائل والتجارب ليتدربوا على نموذج الحل المثالي.الفكرة ببساطة هى التعلم من خلال التكرار. مع تكرار عملية حل تلك المسائل والمشاكل العلمية، تصبح طريقة حل تلك المسائل طبيعة ثانية او تحدث بدون تفكير واعي، وبالتالي يستطيعوا تطبيقها في حل نطاق واسع من المشاكل في المستقبل.  خد على سبيل المثال نموذج الفيزياء الكلاسيكية أو النيوتونية. هناك مجموعة اساسية من العناصر المكونة لهذا الاطار الفكري.

(1) القيم المستخدمة والمفترضة حول منظومة القياس، والتفسيرات السببية

(2) صورة العالم الميتافيزيقية كوجود من الجزيئات المادية، بتتفاعل مع بعضها البعض من خلال قوى التصادم، التجاذب، والتنافر في خطوط مستقيمة ما بين الجزيئات، في الة وقتية عملاقة!

(3) قوانين نيوتن للحركة، والجاذبية اللى بتمثل المبادئ الاساسية لهذة النموذج الفكرى

(4) الطرق الرياضية القياسية المستخدمة لتطبيق قوانين المنظومات الفزيائية مثلا تصادم الجسيمات، حركة الكواكب، الحركة البندولية ، الخ

(5) ومئات الامثلة المطروحة في عمل نيوتن الخالد مبادئ الرياضيات  Principia Mathematica.

من اهم الاهداف اللى بيعمل عليها العلماء داخل هذا النموذج الفكري هو تطويرة ليشمل الظواهر الكهربائية والمغناطيسية، وظاهرة الضوء الخ! ..

العلم المألوف Normal Science

100118_Oron_Catts_p.jpg

 العلم في غالبة هو علم مألوف normal science.كون استخدم مصطلح العلم المألوف، العادي، أو الطبيعي Normal Science للأشارة للبحث العلمي اللى بيتم داخل اطار او منظومة framework المطروح من خلال النموذج الفكري. واحد اهم سمات العلم المألوف هو انه عملية منهجية، منظمة جدا، العلماء العاملين تحت إطار العلم المألوف عادة ما بيتفقوا على ماهى الاشكاليات المهمة والواجب حلها داخل تلك المنظومة، وكيف يتعاملوا مع تلك الاشكاليات او الظواهر، وكيف يقيموا الفرضيات، النظريات، والحلول المطروحة. والاهم انهم بيتفقوا على الرؤية او المنظور اللى بيدركوا من خلالة الواقع (على الاقل الخطوط العريضة). لكن الثورة العلمية تحدث عند انهيار النموذج الفكرى واستبدالة باخر.  ومن هنا عادة ما بيطلق على العلم انه نشاط بيهدف لحل الالغاز، لان قواعد حل الالغاز اى لغز صارمةـ، ثابتة، ومحددة مسبقا من خلال النموذج. مثلا العلم المألوف بيشتمل على أمثل على غرار البحث عن تركيب كيميائي مركب موجود. أو وضع تنبؤات وتجارب جديدة مفصلة لتحديد مسار كوكب ما. أو رسم خرائط الحمض النووى لنوع معين من الكائنات الحية، الخ. الصورة المألوفة للعلم عن العامة وكثير من المفكرين، صورة معرفية تراكمية، نجاحات العلم وانجازاتة قائمة على ارضية سابقة عليها، كون جادل ان العلوم بشكل عام لاتحتاج دائما لنموذج فكري. وان كل مجال بحثي علمي عادة ما بيبدأ بحالة من الممكن ان نطلق عليها مرحلة ماقبل النموذج الفكري pre-paradigm  خلال المرحلة دى البحث العلمي بيتم لكنة عادة ما بيكون غير منظم او منهجي وفي الغالب غير مؤثر. لكن عند نقطة معينة عمل ملفت للنظر مثير بيظهر على السطح! الانجاز ده عادة ما بيقدم فهم وتفسير لطبيعة بعض الاشياء الكائنات او الظواهر في جزء من الواقع، وبيطرح منهج، نموذج، واطار لأستكمال البحث في المستقبل، الانجاز ده عادة ما بيكون مُبهر و مثير للأعجاب بتجعلة نواة عمل بيلتف حولها الباحثين والعلماء لأستكمال المهمة، وقتها بيبدأ النموذج الفكري في الظهور داخل مجال البحث. احد النماذج القياسية من تاريخ العلم على تكون النموذج الفكري في مجال البحث النفسي psychology ، في منتصف القرن العشرين عالم النفس والسلوكي الامريكي بورهوس فريدريك سكينر B. F. Skinner  قدم انجاز كبير التف حولة علماء النفس والباحثين واصبح نواة النموذج الفكري الجديد داخل علم النفس وهو النموذج السلوكي Behaviorism اللى اعتمد على فكرتين اساسيتين

(1) التعلم في جوهرة واحد في كل من البشر، الفئران، الطيور، وكل فصائل الكائنات الحية

(2) التعلم بيتم عن طريق تعزيز وتأكيد السلوكيات reinforcement، السلوكيات اللى تبيعتها جيدة بيتم تكرارها والسلوكيات اللى تبيعتها سيئة بيتم تجنبها (لو كنت عامل وباحث في مجال الذكاء الاصطناعي وتعلم الالات Machine Learning الفكرة دى غالبا هتكون مألوفة بالنسبة لك لأنها الاساس اللى قائم علية خوارزميات التعلم التأكيدية Reinforcement Learning Algorithms – وبتلعب فيها دالة المكافأة The Reward Function معيار تعزيز السلوكيات الجيدة بمكافئتها) .

img_TT_skinner_pigeon.jpg

بالاضافة للمبتدئين دول سكينر قدم مجموعة من الأدوات التجريبية، زى مثلا الصناديق الموحدة اللى الحمام بياخد فيها قرارات استجابة للمنبهات عن طريق النقر على مفاتيح مضاءة. وايضا اشتمل النموذج على طرق قياسية لتحليل البيانات والسلوكيات الناتجة من التجارب!.. ومن هنا كون جادل ان داخل مجال علمي محدد عادة ما بيوجد نموذج فكري واحد بيرشد منظومة العلم العلمي بداخلة. وفي حين انة قبل فكرة وجود اكثر من نموذج فكرى واحد داخل نفس مجال العمل، الا ان بشكل عام من الممكن تلخيص فكرة كون في مبدأ  “نموذج فكري واحد لكل مجال علمي في نفس الفترة الزمنية one paradigm per field per time” .. النموذج بيقدم المنهجية، الادوات، الطرق، معاير القياس، وتحليل النتائج، بشكل عام بينظم طريقة البحث وبيحول عمل الافراد لمؤسسة تعاونية ناجحة ومنتجة! .. لكن احد اهم السمات اللى بتميز العلم المألوف عن صور العلم الاخرى في وجهة نظر كون هو الشك في او الجدال حول المفاهيم الأساسية! لان العلماء العاملين داخل منظومة العلم المألوف بيتفقوا على تلك المبادئ والمفاهيم، وبالتالي ما بيقضوش وقت كبير في الجدال حول تلك المفاهيم لما بتظهر إشكاليات او عقبات خلال بحثهم! .. كون بيضع اهمية كبيرة على فكرة “صناعة التوافق consensus-forging” داخل النموذج الفكري، وبيجادل بدونة لا توجد اى فرصة للعلماء في تحقيق اى تقدم في فهم اى ظاهرة بعمق. كون جادل ان العمل داخل العلم المألوف عملية لحل ألغاز puzzle-solving ، العلماء بيحاولوا يستخدموا الادوات، المبادئ، المفاهيم المتاحة لهم داخل النموذج الفكري الحالي لتفسير وفهم الظاهرة محل الدراسة، او بصورة اخرى بيحاولوا يضعوا قطعة جديدة في مكانها الصحيح على رقعة اللغز طبقا للنموذج القائم

أزمات النموذج الفكري Paradigms Crisis

file-20171106-1055-1tmbboh.jpg

 طبقا لكوهن تقريبا معظم ممارسات العلم اليومية عبارة عن نشاطات محافظة مألوفة تندرج تحت العلم المألوف لا يعيد فيها العلماء البحث في المبادئ الجوهرية للمنظومة العلمية التي يعملون بداخلها. كون في الحقيقة كان نقدي جدا لأطروحة بوبر “قابلية النفي falsificationism” (ارجع لحلقة قابلية النفي، التخمين والدحض) اللى طبقا لها العلماء لابد لهم من هجر اى نظرية تم نفيها. لكن الواقع مخالف لهذا التصور، طبقا لكون المعرفة المتاحة عن الحالات النافية كافية لجعل معظم العلماء يتخلوا عن نظرياتهم، لكن زى ما شفنا فى الحلقة السابقة، العلماء عادة ما بيحاولوا بشتى الطرق والوسائل إنقاذ النظرية من الدحض بدلا من التخلي عنها ببساطة. لو النموذج الفكري كان ناجح ويبدو انه قادر على تفسير عدد كبير من الظواهر فى مجال بحثة، وطالما كان العلماء مازالوا قادرين على تطوير النموذج لحل المشاكل والتطبيقات العملية ، وقتها معظم العلماء هيفترضوا ان النشاذ او الشذوذ في تلك الحالة سيتم حلة في المستقبل. ولن يتخلوا عن النموذج الفكري بالكامل لمجرد ان هناك تناقض مع بعض الادلة. من الجائز ان هذا الامر مبرر لان النموذج كان ناجح فى الماضى على نطاق واسع، وكان قادر على التعامل مع حالات شاذة وغريبة وجدت من قبل ، وبالتالي بأعتبار الوقت، المجهود، والمصادر المبذولة فى تطوير KuhnCycle_BasicCycle.pngهذا النموذج من المعقول جدا اننا نحاول إنقاذه على أمل ان الوقت سيساعد في حل الحالة الشاذة او الغريبة بدلا من التخلي بالكامل عن النموذج. او زى ما كون قال” العلماء اللى بيتوقفوا بالبحث والتمحيص الطويل حول كل حالة شاذة او غريبة لا يفسرها النموذج الفكري بيجاذفوا بعدم انجاز اى عمل مهمّ”. لكن أحيانا العلماء بيقابلوا حالات شاذة لايمكن تفسيرها من خلال النموذج مهما وضعنا مجهود ووقت في محاولة توفيقها. من الممكن ان تكون على صورة معضلات في المفاهيم، او إشكالية فى قابلية  النفي من خلال التجربة. حتى تلك الحالات لن يتم فيها الشك في الافتراضات الاساسية للنموذج الفكري بالضرورة. كون جادل أن في العلم المألوف او الطبيعي المفاهيم والأفكار الأساسية ليست موضع للجدال. المفاهيم الجوهرية محمية من عملية النفي أو الدحض! الباحثين في العلم الطبيعي بيقضوا معظم وقتهم في محاولة لمد رقعة النموذج الفكري، نظريا و تجريبيا، للتعامل مع حالات وظواهر جديدة. لم بتظهر حالات شاذة نتائجها غير متوقعة النموذج غير قادر علة تفسيرها، الباحث بيحاول البحث عن جذور فشل تطبيقة للنظرية أو استخدامة للادوات  في تفسير الظاهرة. كون قبل فكرة ان النظريات أحيانا بيتم دحضها من خلال الملاحظة، داخل العلم المألوف او الطبيعي، او زى ما قال ان الفرضيات بتأكد وتدحض طوال الوقت. لان النموذج الفكري بيقدم أدوات ومعايير لصنع تلك القرارات. لكن استبدال نموذج بالكامل عملية أكثر تعقيدا، وطبقا له العملية دى بتحدث فقط فى حالة (1) تراكم عدد كبير من الحالات الشاذة النموذج غير قادر على تفسيرها (2) وظهور نموذج فكرى اخر منافس. هننظر للحالة الاولي في فرضية كون وهى تراكم الحالات الشاذة الغير قابلة للتفسير داخل النموذج الفكري الحالي:

download (5).jpg

الحالة الشاذة anomaly  عند كون هى لغز غير قابل للحل داخل المنظومة الفكرية القائمة. وجادل ان كل النماذج الفكرية بتواجه حالات شاذة طوال الوقت، طالما كان عدد تلك الحالات الشاذة محدود، عملية العلم المألوف او الطبيعيى بتستمر كما هى، والعلماء بينظروا لها على انها تحديات صعبة لا أكثر. الاشكالية بتبدأ مع تراكم الحالات الشاذة واحيانا بعضها يستعصى حلها بالرغم من تعاقب الحلول المطروحة، وبالتالي طبقا لكون تراكم تلك الحالات الشاذة بيبدأ العلماء في فقدان الثقة في النموذج الفكرى، والنتيجة بتكون الازمات crisis. اى ان في حالة تزايد وتراكم عدد الحالات الشاذة عادة ما بيبدأ العلماء الاصغر سنا واقل خبرة واندماجا داخل هذا النموذج ان يتشككوا في بعض المبادئ والمفاهيم الاساسية لهذا النموذج الفكري، ومن الممكن جدا ان يبدأوا بالتفكير، والتنظير لنموذج بديل، وقت نجاح هذا النموذج البديل كطريقة جديدة بديلة لتصور العالم والتفكير في الواقع، يبدأ التراجع في البحث وتطوير النموذج القديم، ويبدأ العلماء تدريجيا بالانتقال للنموذج الجديد والتركيز على الحالات الشاذة في النموذج القديم! مرحلة علم الأزمات Crisis science  مرحلة خاصة جدا عند كون، بتبدأ في الظهور عندما يفقد النموذج الفكري القائم قدرتة على الهام وارشاد العلماء والباحثين، لكن لا توجد نماذج فكرية اخرى بديلة لأستبدال النموذج القائم، واعادة عملية البحث للسياق المنهجي. التحول لحالة الازمات تحول مرحلى، بيشبة حالة التحول في المادة مثلا من السائل للغاز، او الصلب للسائل. لسبب ما بيفقد العلماء العاملين داخل مجال بحثي ما بيفقدوا ثقتهم في النموذج الفكرى، وبالتالي تعود القضايا والمفاهيم الاولية والاساسية لطاولة الجدال والنقاش مرة أخرى. الامر الساخر في في طرح كون انه اشار ان من احد اهم سمات مرحلة الازمات ان العلماء بيظهروا اهتمام غير مسبوق بالفلسفة، اللى من وجهة نظر كون وكثير من العلماء غير ضرورى بالنسبة للعلم المألوف! .. في الحقيقة ان كون جادل ان انهيار النماذج الفكرية، جزء طبيعي ومقبول في العلم، بالرغم من انه يبدو غير ذلك للعلماء. هيكل العلم المألوف وطريقة علمة بتجعل انهيار النموذج امر حتمي لايمكن تجنبة لكن فقط أستجابة للمؤثرات الحقيقة، اللى بتظهر إشكاليات عميقة في طرح النموذج بدون حل واضح. وذلك لان العلماء عندهم قابلية كبيرة لقبول تبريرات وحلول مؤقتة للحالات الشاذة بدلا من التخلي بالكامل عن النموذج الفكري على الاقل لفترة من الوقت. وبالتالي النموذج لن ينهار بسرعة، حتى تأتي المؤثرات او الحالات الشاذة المناسبة لدفعة تجاة الهواية. كون جادل ان العلماء بيواجهة حالات شاذة طوال الوقت لكن على العكس من طرح كارل بوبر الحالات الشاذة دى لاتكون ارضية كافية لدحض النموذج الفكري القائم، ودة امر طبيعي، لان لو العلماء اسقطوا النموذج الفكري مع كل مشكلة او حالة شاذة لن يحرزوا اى تقدم يذكر! .. وكثير من سر نجاح المنظومة العلمية في وجهة نظرة بيعود للأتزان الغير عادى ما بين مقاومة تغيير الافكار والمفاهيم الجوهرية وقابلية تغييرها تحت ظروف معينة. او ببساطة غير مخلة الافكار تحتاج لبعض الوقت والحماية كي تنضج وتتطور. لكن لو الحماية دى ابدية، ودائمة لأصبح العلم غير قادر على الاستجابة للفشل التجريبي الناشئ مع ظهور الحالات الشاذة وبالتالي فقد قيمتة في تقديم افضل وصف معرفي متاح للواقع! اذن  الازمات دى بتزيد احتمالية حدوثها لو الحالات الشاذة Reinforcement_learning_diagram.svg.pngمحل التساؤل بتأثر على المبادئ الجوهرية والاساسية لهذا النموذج الفكري، او لو كانت تلك الحالات بتقف حائل دون بعض تطبيقات النموذج الهامة، و اخيرا قد يقع النموذج تحت طائلة النقد لان الحالات الشاذة ظلت بلا حل لفترة طويلة. لكن بمجرد حدوث الكوارث وظهور نموذج فكرى جديد، تبدأ الثورة Revolution وعملية تحول النموذج الفكري Paradigm Shift. النماذج تعمل كمنظم للعمل العلمي ومؤسسة للتعاون البناء بين الباحثين داخل مجال علمي ما، والعلم داخل العلم المألوف او الطبيعي بيهدف لمد رقعة النموذج الفكري القائم، واضافة مجموعة جديدة من الظواهر لعباءة النموذج التفسيرية. الباحث الطبيعي ملتزم بالنموذج الفكرى اللى بيعمل داخلة  ولا يجادل او يناقش أفكاره ومفاهيمه الأساسية، وبيعمل بهدف مد رقعة النموذج الفكري التجريبية والنظرية. لكن الحالات والظواهر الشاذة بالنسبة لاى نموذج فكرى ستظهر لامحالة، والعلماء العاملين داخل النموذج الفكري بيحاولوا تقديم تبريرات وحلول مؤقتة، لكن مع تراكم الحالات الشاذة مع الوقت بتصل لكتلة حرجة، عندها بيفقد العلماء الثقة في النموذج الفكري ويبدأ التحول لحالة الأزمات!

التغيير العلمي Scientific Change

Telescope.jpeg

كوهن جادل ان في نوعين من التغير داخل العلم

(1) تغير داخل العلم المألوف او الطبيعي، طرح نظريات جديدة داخل نفس النموذج الفكري

(2) تغير داخل العلم الثوري revolutionary science  (مرحلة عدم استقرار نموذج علمي ما وبدايات تحولة او استبدالة بنموذج فكرى اخر – او ما اطلق علية مرحلة الكوارث).

النوعين دول من التغير لهم سمات معرفية مختلفة تماما، التبرير Justification، العقلانية  rationality، والتقدم progress  العلمي سمات مختلفة ما بين نوعي التغير! التغير في اطار العلم الطبيعي، هناك معايير ومقاييس متفق عليها واضحة ومحددة لتبرير جدلية ما، لكن في العلم الثوري لا توجد مثل تلك المعايير! او شكل التقدم التطور تراكمي داخل العلم الطبيعي، لكنه عملية ثورية استبدالية في العلم الثوري التحولي! .. ولان الثورات جزء اساسي ومهم داخل منظومة علم العلم لكنها لاتتبع طرق عقلانية واضحة ومحددة طبقا لكون، بتصبح مهمة وصف طريقة عمل العلم وترسيم الحدود بين العلم الحقيقي والزائف عملية معقدة جدا! .. في وجهة نظر كون، بمجرد حدوث الثورة على النموذج القديم يتم استبداله بالكامل. بكل تأكيد لو كنت على دراية ولو حتى بسيطة بتاريخ العلم هتتفق مع كون في أطلاق لقب الثورة على الثورة الكوبرنيكية، بما طرحتة من تحول جذري في العلوم الاساسية، في حين ان كثير من التحولات و الاكتشافات الاخرى مجرد رفض نظريات داخل إطار النموذج نفسه. كون بيجادل تكوين تلك الثورات الصغيرة على حد تعبيرة بشارك الثورات الكبرى في العديد من الخواص. مثال على تلك الثورات الصغيرة هو استبدال نظرية فلوجستن للأحتراق phlogiston theory of combustion  بنظرية الاكسدة للأحتراق oxidisation theory of combustion . فلوجستون Phlogiston   من المفترض انه عنصر بيتم إصداره عند 220px-Antoine_lavoisier_colorاحتراق المواد. معظم المواد زى الأخشاب مثلا بتفقد بعض الوزن عند الاحتراق، الفرضية اللى وضعتها تلك النظرية، لكن بعد المواد الاخرى مثل الحديد معروف ان وزنها بيزيد مع الاحتراق ودى كانت ملاحظة شاذة بالنسبة للنظرية، وبالرغم من هذا معظم الكيميائيين في القرن الثامن عشر لم يجدوا هذا سبب كافي للتخلي عن النظرية، وتم استخدام النظرية على نطاق واسع في العديد من التجارب لإنتاج صور متعددة من الادخنة والغازات في المعامل. ولسوء الحظ كان هناك عدد كبير من الصور المختلفة للنظرية (نفس الاشكالية اللى عانت منها النظريةالبطلمية لحركة الكواكب Ptolemaic theory of planetary motions في القرن السادس عشر) اللى اعتبرها كون احد سمات بداية الكوارث داخل النموذج العلمي. وتباعا بدأت حالات اخرى في الظهور لمواد عند احتراقها يزداد الوزن بدل من ان يقل… سامع صوت اعتراضك بيقول وايه المشكلة؟ .. لو طبقنا إشكالية دوهيم من الحلقة السابقة في المثال دى، هذة الحالات غير كافية لنفي وجود عنصر الفلوجستون، لان قد يكون هناك طرق أخرى لتفسير حقيقة تلك النتائج، مثلا البعض جادل ان الفلوجستون قد يكون له كتلة سالبة، او ان بعد انبعاث الفلوجستون من المادة ترك مكانة مساحة خالية احتلتها جزيئات النار وبتالي ازدادت كتلة المادة. على اى حال مع مرور الوقت وتزايد تلك الحالات الشاذة على نموذج نظرية الفلوجستون للأحتراق اصبح النموذج في كارثة، والمناخ اصبح مناسب لقبول نموذج فكري جديد لتفسير ظاهرة الاحتراق. الشرارة اللى اطلقها الكميائي الفرنسي انطوان لافوازييه Antoine Lavoisier  اللى اقترح سنة 1777 ان عنصر الفلوجستون لاوجود له، وان في عملية الاحتراق لاتفقد مادة الفلوجستون  ولكن يكتسب الاكسجين oxygen . الثورة دى شهدت استبدال نظرية محددة في الكيمياء، لكن ايضا تغير في الطرق اللى أعتبرت اساسية في اجراء التجارب. حتى وقت استبدال النظرية الاعتقاد الشائع ان هناك نوع واحد فقط من الهواء، قد تتغير درجة نقائه لكنه نوع واحد فقط. بعد نظرية الاكسدة، الاكسجين اصبح واحد من الغازات المكونة 200px-Et_baal.jpgللهواء! .. المهم من المثال ده هو طرح كون هو ان التغير العلمي مش دائما بيكون تراكم معرفي، لان تحول النموذج الفكري، أو الثورات العلمية بتحتوى على تغير في النظريات العلمية شامل وليس جزئي. او بصورة ابسط، ان النموذج لا يتغير في الأجزاء، لكن تغير شامل كلي في طريقة التفكير في العالم او في هذا النوع من الظواهر في العالم. لكن هذا النوع من الثورات يحدث فقط عندما يكون هناك نموذج فكري آخر بديل للنموذج القديم، وعلماء قادرين على توضيح الصورة الجديدة للعلماء الآخرين. الامر المضحك ان بالرغم من ان كون استخدم مصطلح الثورات العلمية والتحول في كتاباتة الا ان بصورة ما فلسفة بوبر لفهم تاريخ العلم بتعطي موضع محوري لفكرة الثورات مقارنة بكون، لان عند بوبر العلم في حالة ثورة دائمة حيث النظريات والمفاهيم الاساسية في حالة اختبار ومحاولة نفي ودحض دائمة. اما عند كون، الثورة حالة نادرة الحدوث داخل العلم، اللى في معظمة مألوف ومستقر، حيث المبادئ والمفايهم الاساسية ليست محل تساؤل. بوبر اعتقد ان من الممكن ان نعيد بناء تاريخ العلم في صورة سلسلة من القرارات العقلانية ما بين النظريات المتصارعة بناء على الادلة التجريبية. لكن على النقيض، كون اعتقد بما ان الثورات بتشتمل على تغير في الاطار اللى الاسئلة العلمية بتحل داخلة، اذن الادلة وحدها لن تكون كافية ابدا على دفع العلماء لأختيار نموذج على اخر. بعد الثورة بيصبح امام العلماء طريقة جديدة لرؤية وتفسير الظواهر، ومجموعة جديدة من المشاكل، والمشاكل القديمة قد تكون نُسيت او اُهلمت لانها اصبحت غير هامة داخل النموذج الجديد. ومن هنا فكرة ان المحتوى التجريبي للنظريات الجديدة يبنى على المحتوى السابق للنظريات القديمة الفكرة اللى اعتنقها كلا من بوبر وفلاسفة الوضعية المنطقية اصبحت فكرة خاطئة بالنسبة لكون. لانه بيعتقد ان غالب العالم طوال الوقت بيكونوا ملتزمين بالنموذج الفكري المؤسس الذى يعملون بداخلة، وفي حالة الادلة النافية او الداحضة من المستبعد جدا ان يطرحوا النموذج الفكرى برمتة محل تساؤل. فقط عندما تحدث الكوارث داخل النموذج الفكري يبدأ العلماء في العمل على استبدالة بالكامل، وبالنسبة لكون عند حدوث تلك الظاهرة لاتوجد صناعة تراكمية للعلم على الاطلاق!

images.jpg

كوهن جادل ان قيم العلماء بتلعب دور مهم في تحديد ان كانوا سيقبلوا بنموذج جديد ام لا. مثلا اينشتين في سنوات نضجة العلمي اعتقد بشدة ان مهمة العلم هى تقديم تفسير ظواهر العالم الطبيعية، مش مجرد طرح نظريات تجريبية جيدة، بصورة أصطلاحية، اعتنق رؤية علمية واقعية Scientific Realism. لكن على الجانب الاخر، بعض مؤسسي نظرية ميكانيكا الكم quantum mechanics اعتقدوا أن هدف النظريات الفيزيائية هو فقط تقديم وسائل التنبؤ بالظواهر، بصورة اصطلاحية اعتنقوا رؤية ذرائعية Instrumentalism (اى أن المعرفة أداة للعمل ووسيلة للتجربة). ومع مرور الوقت تطورت ميكانيكيا الكم، وأصبحت قدراتها التنبؤية عالية جدا، وحتى يومنا هذا بعد مرور عشرات السنوات على بدايتها، مازال  هناك خلاف كبير على تفسير النظرية واقعيا، وتبرير سر نجاح التجارب المبنية عليها. اينشتين لم يقبل ميكانيكيا الكم ابدا، في حين علماء اخرون قبلوا النظرية، والخلاف ما بينهم لم بخصوص الادلة التجريبية الداعمة للنظرية، لكن الأمر الذي يجب تقييمة في النظريات العلمية. والامر الاكثر تطرفا لكنه يعد احد الادلة على طرح كون بان قيم العلماء تؤثر على تقيمهم للنموذج الفكري، هو أن نظريات اينشتين نفسها في بدايتها أطلق عليها الفيزياء اليهودية نسبة إلى أن أينشتاين كان يهودي الأصل من قبل بعض العلماء في بدايات القرن العشرين! .. كون كمان أكد على الدور المهم الذي تلعبه العوامل النفسية والاجتماعية في التأثير على العلماء لأعتناق أو رفض نموذج فكري معين. بعض الناس بطبيعة تركيبهم النفسية والاجتماعية مُحافظين مقارنة بالاخرين، في حين ان هناك اخرون بيملوا لان يكونوا صوت منفصل عن القطيع، او البعض بيفضل المخاطرة، و البعض الاخر يفضل تجنبها، الخ. ده غير ان العلماء المخضرمين في قمة عملهم المهني هيكونوا اقل قابلية للمخاطرة في الفرضيات والتخمينات من الباحثين الاقل سنا في بداية حياتهم. ايضا كل عالم يقع تحت تأثير رؤيتة الوجودية للعالم اللى عادة ما بصيغها استاذته ووالديه. وبالتالي من الممكن الخلاصة لان النماذج الفكرية هى ملكات فكرية لجماعات اجتماعية، وقواعدها ومفاهيمها الاساسية ليست جزء فقط من الكتب والنظريات لكن من طبيعة الكيانات المؤسسة، والمؤسسات البحثية والتعليمية! .. في وجهة نظر كون، العلم لابد وأن يرى داخل اطارة التاريخي والاجتماعي، او بصورة اخرى ان التغيير العلمي لا يمكن أن يفهم بوضوح بدون اخذ القوى والعوامل الاجتماعية في الحسبان. إن صحت هذه الرؤية، سيصبح طرح العلاقة المنطقية ما بين النظريات والادلة الداعمة لها، بناء على معايير موضوعية تربط ما بين النظريات العلمية والبيانات من الملاحظة، فكرة غير سليمة. التحول ما بين المذاهب الفكرية paradigm shifts تحول باطني غامض، لايمكن التحكم فيه بقواعد المنطق، ويبدو انه يقع داخل نطاق الاكتشاف النفسي والاجتماعي.

الثورات العلمية Scientific Revolutions

 

الثورات حالات من الانقطاع في تاريخ العلم، طبقا لطرح كون في نوعين من التغير في تاريخ العلم، الثورة بتكون مفاجأة وكبيرة وتبعتها بتكون كيبرة على مجال البحث. لكن في نوعين من الإشكاليات طرحها الفلاسفة والمفكرين، كيف تحدث الثورات؟ .. وماهي علاقة ما قبل الثورة بما بعدها؟ … كون جادل ان العلم المألوف والطبيعي بينتقل الى مرحلة الأزمات نتيجة تراكم الحالات الشاذة، لكن هذا الانتقال وحدة غير كافي لأحداث التغير الثورى وجود نموذج فكري بديل شرط أساسي لحدوث التغيير. الازمات وحدها غير كافية لاقناع الباحثين بان نظرية كبيرة مستقرة خاطئة ولابد من دحضها، الأمر اللى معناة اننا لن نجد دحض مستقل ورفض للنظريات، الدحض عادة ما يلازمة قبول لنموذج آخر. لكن ايضا الانتقال لايحدث لمجرد وجود فكرة جديدة أفضل، لابد من حدوث الازمات للنموذج الجديد حتى يبدأ العلماء في قبول فكرة التغيير. الثورة الكوبرنيكية كانت مصدر الهام لكون في كثير من أفكارة. بالرغم من ان جاليليو عادة ما بيحتفى بة كنصير الثورة ضد الكنيسة الكاثوليكية في بدايات القرن السابع عشر، عملية التحول من النموذج البطلمي المركزي Ptolemaic geocentric  لنموذج مركزية الشمس heliocentrism  اخذت حوالي 150 سنة. وفي نهاية القرن نظرية الجاذبية لنيوتن قدمت طرح موحد لحركة الكواكب، وتأثير القمر على المد والجزر، وغيرها من الظواهر الطبيعية. وبالرغم من ان الرؤية الكونية الجديدة كانت أكمل، موحدة أكثر ومقبولة تجريبيا على نطاق اوسع لانها قدمت تفسير لعدد اكبر من الظواهر، الا ان التحول ده لم ينتج بناء على الادلة المتاحة عند العلماء اللى دعوا للتحول لنموذج مركزية الشمس. كان هناك عوامل عديدة داعمة  للنموذج البطلمي  مثلا علم الكونيات بناء على فكرة الارض في مركز الكون كانت فكرة بديهية ومقبولة اكثر بالنسبة لكثير من الناس اللى اعتقدوا ان الله خلق الكون للبشر على وجه التحديد، وبما اننا لانشعر بحركة الارض وقت دورانها، من المنطقي والبديهي جدا ان الفرد الطبيعي يعتقد في ان الارض ثابتة والكواكب والنجوم هى اللى بتدور حولها (بالظبط زى ما المشهد الساخر من مسرحة السكريتر الفني صور الفكرة دى ببراعة.

ده بالاضافة لان نموذج مركزية الارض اعطي اللاهوتين ورجال الدين فرصة لتصوير السماوات كسقف فوق الارض زى ما معظم النصوص الدينية عادة ما بتصور الفكرة حرفيا. نظرية ارسطوطاليس لحركة الاجسام السماوية كانت نموذج جيد لمراقبة النجوم في السماء ووصف حركتها، والنظرية البطلمية كان قادرة على وضع تفسيرات وتنبؤات دقيقة لحركة الكواكب بنجاح لقرون عديدة. لكن النموذج البطلمي بدأ يواجة حالات شاذة لان المدارات حول الكواكب لم تبدو دوائر نموذجية، لكن يبدو ان كان من الممكن تطويع النظرية لحركة الكواكب بتقديم حلقات ومدارات غريبة الشكل. الفكرة دى مثالية لوصف كون عن العلم المألوف او العادى، علماء الفلك جمعوا بيانات مستفيضة وكثيرة، وحين لم ينطبق عليها النموذج العلمي المتاح وقتها بدل من رفض الفرضيات والمفاهيم الاساسية اللى قائم عليها النموذج، وجدوا طرق مبتكرة وعبقرية لحل الاشكاليات دى وتوفيق البيانات مع الظواهر. النموذج البطلمي، كان ناجح جدا وشديد التعقيد، وظلت الحالات الشاذة في غالب الوقت بلا حلول، وقدمت مناخ جيد لبحث مستمر. لكن في نهاية الامر الظواهر والحالات الشاذة دى تراكمت، وازداد تعقيد وعدد الاطروحات المختلفة من النظرية البطلمية للتعامل مع تلك الظواهر، وأدى الضغط الاجتماعي من أجل إصلاح التقويم ، الى جعل حل المشكلات الشاذة وصياغة نظرية محددة أولوية ، الامر اللى قاد الي إدراك واسع النطاق بأن النموذج كان في أزمة! وفي نهاية المطاف حدثت الثورة، لكن في وجود شرطين مهمين، وجود نظرية او نموذج فكرى بديل 220px-Nikolaus_Kopernikus_2.jpgالنظرية اللى قدمها كوبرنيكس Copernicus، لكن ده ماكنش كافي لوحدة، لكن وجود عدد كافي من الباحثين والعلماء اللى تحمسوا للعمل على النموذج الجديد زى كبيلر Kepler، جاليليو Galileo، ديكارت Descartes، وغيرهم! .. العاملين دول هما المبرر في اننا نشك ان كانت تلك الثورة ليست عقلانية في طبيعتها، لان المفكرين دول كان متحمسين باسباب اخرى لاعتناق الرؤية الكوبرنيكية. لانهم ببساطة اعتنقوا النموذج قبل اكتمالة، ولم واجه مشاكل بدون حلول، اخذوا مخاطرة فكرية كبيرة. ولا واحد من العلماء والمفكرين اللى ذكرتهم دول او غيرهم كان على يقين ان النظرية الكوبرنيكية قادرة على تفسير ظواهر وكائنات السماء، وفعلا في بدايتها نظرية كوبرنيكس لم تكن اكثر دقة في تفسير الظواهر الكونية من النظرية البطلمية! الادلة على الجانبين لم تكن قاطعة، وكان هناك الكثير من الظواهر الاخرى اللى النموذج القديم كان أكثر قدرة على تفسيرها. النموذج الجديد كان في خلاف تام مع الخلفية العقائدية عن معظم البشر، لان الارض لم تعد مركز الكون كما كانت، ده بالاضافة لخلافها لأفضل النظريات الفيزيائية المتاحة وقتها زى النظرية الارسطوطالية. نظرية كوبرنيكوس يبدو انها ضمنيا اشارت لان الارض على نفس جانب الشمس مع المريخ والزهرة، وفي احيان اخرى بتكون على الجانب الاخر! .. وطبقا للنظرية، بحساب المسافات بين الكواكب، كوكب الزهرة لابد وان يظهر 6 مرات اكبر من الكواكب الاخرى. لكن الملاحظة بالعين المجردة لم تثبت الا اختلاف في حجم كوكب الزهرة، الظاهرة اللى تم اثبتها في المستقبل بعد اختراع التيلسكوب، لكن وقت طرح كوبرنيكس للنظرية، نظريتة لم تكن متسقة مع الادلة المُلاحظة على الاقل من بادوات الملاحظة المتاحة وقتها للبشر (العين المجردة). عالم الفلك السويدي تيخو براهي Tycho Brahe جمع بيانات من خلال اجهزة قياس استخدمها كيبلر لاحقا لصياغة نظريتة عن حركة الكواكب مستندا في ذلك على تنبؤات طرحتها نظرية كوبرنيكس اللى كانت مرفوضة بالملاحظة وقتها! وجادل ان لو الارض بتتحرك، اذن مسافة الكواكب الملاحظة من على سطح الارض لابد وان تتغير كلما تغير موضع الارض من احد جانبي الشمس للجانب الاخر. وحاول اثبات 220px-Geocentrism.jpgهذة النظرية تجريبيا، المعروفة في علم الفلك بالمنظور النجمي stellar parallax من خلال ادوات قياسة، لكنة فشل. لان ادق اجهزة القياس المتاحة وقتها لم تكن بالدقة المطلوبة، وخُلص وقتها لان النظرية الكوبرنيكية خاطئة. كمان نظرية كوبرنيكس واجهت جدليات كبيرة عديدة كانت قادرة على دحض النظرية في وقتها. اهمها كانت جدلية البرج tower argument اللى من الممكن صياغتها كالاتي: تصور ان الارض بتتحرك، وتم القاء حجر من سطح برج شاهق، قاعدة البرج ستتحرك مسافة محددة خلال زمن سقوط الحجر، وبالتالي لابد وان يسقط الحجر على بعد مسافة من قاعدة البرج. لكن وقت اجراء التجربة زى ما انت اكيد متصور وعلى وجهك ابتسامة .. كان الحجر بيسقط على نفس المسافة من قاعدة الحجر وقت القاءة من القمة! .. وبالتالي الاستنتاج ان الارض لا يمكن ان تكون في حالة حركة. او بنفس المنطق زى ما الفنان جمال اسماعيل سأل الفنان فؤاد المهندس بسخرية ان كانت الارض في حالة حركة لماذا لا تتحرك الكائنات من موضع لأخر! .. ده بالاضافة لان لم يكن هناك تفسير واضح لماذا لاتترك الارض القمر وقت دورانها حول الشمس مثلا ( في الحقيقة التساؤل البسيط ده بالرغم من سذاجتة حاليا الا انه كان ذو اهمية كبيرة، وملاحظة جاليليو سنة 1609 لأقمار المشترى وحركتها التابعة له اصبحت مُلاحظة حيوية وجوهرية في نجاح النموذج الكوبرنيكي، لان جاليلو جادل ان لو المشترى قادر على الدوران دون فقدان اقمارة اذن لابد وان نفس المبدأ بينطبق على الارض!). كل الجدليات دى وغيرها كانت داعمة لنموذج مركزية الشمس heliocentrism، لكن في المراحل الاولى للنموذج الكوبرنيكي كانت جدليات بلا اجابة شافية. وبالتالى بالرغم من ان النموذج الجديد حل بعض المشاكل، الا انه فتح الباب امام مشاكل أخرى. والمفكرين والعلماء بناء على قيمهم تعاملوا مع الوقف بشكل مختلف! مثلا،  العلماء اللى فضلوا البساطة الرياضية كان عندهم مبرر جيد لاعتناق النموذج الكوبرنيكي. فى حين ان العلماء اللى فضلوا الاتساق في تفسير الظواهر الطبيعية والتوافق مع البديهية كان عندهم مبرر لاعتناق النموذج البطلمي. كون بيجادل ان من غير المعقول اننا نعتقد ان كل هؤلاء العلماء والباحثين درسوا الأدلة و قارنوها قبل اختيار النموذج المناسب بناء على أرضية عقلانية. خلفيات الأفراد ومعتقداتهم اعطتهم أسباب مختلفة للمساهمة في الثورة الكوبرنيكية.

solntse-zemlia-znaki-zodiaka-nauchnaia-revoliutsiia-nikolai.jpg

أما بالنسبة لكوبرنيكوس نفسة، شخصيته أهلته بدرجة كبيرة لأعادة النظر في النموذج الرياضي للمجموعة الشمسية، بدلا من قبول النموذج البطلمي واضافة تعديلات عليه. قدراتة الرياضية الفذة ساعدته على صياغة منظومة رياضية بديلة دقيقة الشمس تتوسط المجموعة الشمسية فيها بدلا من الارض! أما جاليليو كان متمرد وثائر الشخصية بدرجة كافية دفعته للصدام مع الكنيسة الكاثوليكية، الأمر اللى كان تبعياته غير سارة. أما كيبلر المؤرخين اعتقدوا أنه كان لدية اعتقاد صوفي في ان هناك تناغم رياضي خفي في العالم الطبيعي، اللى كان دافع وراء تفضيله وضع الكواكب في حركة بيضاوية بدل من أشكال دائرية متداخلة معقدة، ده بالاضافة لان كان تحت يديه بيانات فلكية أكثر من سابقيه. الثورات في تصور كون غير تراكمية non-cumulative  النزعة، الفكرة دى اساسية جدا خصوصا بالنسبة لانماط التحول الكبرى في تاريخ العلم. لا يوجد تراكم ثابت لبعض السلع المفيدة مثل الحقيقة (ان جاز التعبير) مع تقدم العلم. بدلاً من ذلك ، وفقًا لكون ، في الثورة دائما ما تكسب بعض الأشياء وتفقد بعض الأشياء. الاسئلة اللى كان النموذج القديم قادر على حلها، قد تصبح إشكالية للنموذج الجديد! .. السؤال اللى غالبا بيدور في عقلك دلوقتى … هل ياترى حصيلة الثورات دائما ايجابية؟ .. يعنى هل اللى المكسب دائما أكبر من الخسارة؟ .. كون جادل ان لا توجد طريقة غير متحيزة محايدة للاجابة على السؤال ده، بكل تأكيد المجتمع العلمي سيشعر بان المكسب اكبر من الخسارة، والا كان اية الداعي في قيام الثورة من الاساس. لكن ده مش معناة ان التحييز في الحكم على نتيجة التحول مش موجود.  الاشكالية في طرح كون بان الثورات والازمات غير قابلة للقياس، ومن الصعب تحديد سمات الازمات، هل مثلا من الممكن اعتبار الحالة ما قبل ظهور النموذج الكوبرنيكي في علم الفلك حالة ازمات؟ .. او قبل نظرية التطور لدارون؟ ..  من الجائز .. لكن عدم القدرة على الاجابة بوضوح على هذا التساؤل هو لب المشكلة … تخيل اننا في وقت الازمات، فترة مليئة بالتخبط، الاختلاف، وانتشار الجدل الفلسفي بين العلماء! .. النموذج الفكري الجديد اللى بيبدأ الثورة بيكون طرح لحل احد الاشكاليات اللى كانت حالة شاذة في النموذج القديم، ويبدأ النموذج الجديد في الهام المجتمع العلمي في العودة مرة اخرى للعمل الجماعي المنظم. اى ان الظهور المفاجئ لقوى حل الاشكاليات بتكون شرارة الثورة. كون اعتقد ان العمليات دى من غير الممكن وصفها من خلال نظريات فلسفية محددة للدليل والاختبار. بدلا من ذلك من الممكن رؤيتها بظاهرة انتقالية او تحولية. وجادل ان الثورات هي أحداث متقلبة وغير منتظمة. تتأثر بالعوامل الشخصية وحوادث التاريخ. في طرح كون للتغير الثورى، التفريق بين الوصفي والمعياري قضية مهمة جدا. كون استخدم لغة مش بس بتشير لأن الثورات لابد وان تحدث، لكن لها دور أيجابي في العلم. وانها مكون اساسي في الخلطة اللي بتجعل العلم أفضل وسائل البحث عن المعرفة واستكشاف العالم المتاحة حتى الان للبشر!

استقلال النظرية Theory-independence

nc3bacleo-de-la-tierra

النظرية العلمية قائمة على حقائق معروفة، والحقائق مُحددة بالملاحظة المباشرة او غير المباشرة. ومن هنا ظهر الطرح البدائي للطريقة العلمية، عادة ما بنبدأ بملاحظة ظاهرة ما في العالم الطبيعي، مع تراكم الملاحظات بنبدأ بالبحث عن نمط متكرر في الطبيعة، واخيرا بنصل للمبادئ العامة الحاكمة لتلك الظواهر. طبعا الطرح ده مبسط جدا، لان لاتوجد اى نظرية علمية بدون أفترضات قائمة عليها، لان عند ملاحظتنا للظواهر الطبيعية بنبدأ في تقسيمها لأنواع مختلفة قبل ما نبدأ في البحث عن نمط معرفي لها. مثلا، العلماء بدأوا في تصنيف بعض الظواهر كحركة الاجسام السماوية، وبعض الظواهر الأخرى كحركة المد والجذر، واخرى تعاقب الفصول. لكن طبقا لمنظومة العلم الحديث، الظواهر دى كلها مرتبطة ببعضها البعض، المد والجذر سببة حركة القمر، وتعاقب الفصول بسبب حركة الأرض حول الشمس، وبالتالي لما بنعاملها كظواهر مختلفة بنبدأ البحث على اساس خاطئ. دى كانت إشكالية النموذج الارسطو طالي، اللى فية السموات اعتبرت عالم بعيد منفصل مستقل، وقوانين الميكانيكا اللى انطبقت على حركتهم مختلفة جوهريا عن القوانين اللى بتحكم حركة الاشياء والكائنات على الارض! … بنفس الطريقة من الممكن ان نعتقد بداهة ان بعض الظواهر مرتبطة بحركتها وليس بثباتها، لان من خلال ملاحظاتنا الأشياء المتحركة والثابتة  مختلفين. لكن في الفيزياء الحديثة، الحركة الموحدة والثبات ظاهرتين غير مختلفتين فزيائيا، الفرق مابينهم مجرد فرق نسبي معتمد على المُلاحظ! .. من الواضح اذن ان بعض التصنيف للظواهر مطلوب حتى قبل ان تبدأ عملية البحث العلمي، والتصنيف ده بيعاد تحديثة مع ظهور نظريات جديدة. ومع نضوج العلم، الملاحظات الجديدة لن تكون بلا فرضيات مسبقةـ لان ده هيكون معناة اننا بنبدأ من الصفر كل مرة بدلا من تراكم المعرفة السابقة. لكن بالرغم من النظريات الحالية بتعمل كمرش لتطوير نظريات جديدة، واى ملاحظات مهمة وخلافة، الا ان التفريق ما بين اطار الاكتشاف، والتبرير من الممكن استخدامة للحفاظ على فكرة ان النظريات العلمية يتم اختبارها من بالملاحظة. كثير من الفلاسفة التجريبين رسموا حدود حادة ما بين ماهو تجريبي وماهو نظرى، وكلا من فلاسفة الموضوعية التجريبية وكارل بوبر(على الاقل في بداية كتاباته) افترضوا وجود تلك الحدود! لكن استقلال النظرية Theory-independence  أو حيادية الحقائق القابلة للملاحظة بيجعلها أساسًا مناسبًا للمعرفة العلمية ، أو على الأقل لاختبار النظريات. الرؤية المألوفة فرقت ما بين المصطلحات المُلاحظة زى مثلا “أحمر”، “ثقيل”، “ملتهب”، الخ والمصطلحات النظرية زى مثلا “الكترون”، “شحنة”، “الجاذبية”، الخ. الفكرة اللى بحاول اوصل لها لك، ان قواعد ما يمكن إطلاق عليه المصطلحات المُلاحظة هو ما يمكن للإنسان The_Structure_of_Science,_first_edition.jpgالعادي ملاحظته في ظروف تجريبية معينة، وهى ظواهر أو كائنات منفصلة تماما عن النظرية. على سبيل المثال، فيلسوف العلم الأمريكي الشهير أرنست ناجل Ernest Nagel في كتابة المهم “هيكل العلوم The Structure of Science ” اللى نشرة سنة 1961 جادل ان كل مصطلح مُلاحظى مرتبط على الاقل بتطبيق واحد لهذا المصطلح على خاصية مُلاحظة. مثلا خاصية الاحمرار، من الممكن تطبيقها على الكائن عندما يبدو لونة أحمر لمُلاحظ طبيعي تحت ظروف مُلاحظة عادية. على الجانب الاخر كون، أكد على الفكرة اللى اصبحت بعد هذا معروفة بالملاحظة المحملة بالنظرية theory-laden  (أرجع لحلقة إشكالية العلم) .. الفكرة اللى من الممكن تلخيصها في ان التجربة البصرية لأثنان من البشر من الممكن جدا ان تكون مختلفة بالرغم من ان الصور المنعكسة على شبكيتهم متطابقة. ذلك لان كون اعتقد ان تفسير الظواهر لايمكن فصلة عن مشاهدتها. ملاحظة شئ س مُشكل بمعرفتنا السابقة عن س! .. لو فاكر من حلقة إشكالية العلم طرحنا عدد من التجارب العقلية زى مثلا تجربة البطة الارنب duck-rabbit اللى فيها بنعرض صورة مرسومة لرأس كائن مزيج من رأس أرنب وبطة، بالرغم من ان الرسم يبقي ثابت الا انك لو نظرت الية في بعض الوقت يبدو لك كأرنب وفى اوقات اخرى سيبدو كبطة! .. المثال الاقرب علميا للفكرة دى هو دراسة عينة ما تحت الميكروسكوب، ان كان المُلاحظ هو الشكل الحقيق للكائن ام ان كان نتيجة تداخل عينة الاختبار وقت اعدادها قبل الدراسة. العلماء عادة ما بيتم تدريبهم على دراسة العينات والبحث عن انماط معينة فيها، الطبيب لما بينظر لصورة أشعة اكس لكسر ما بيشوف تفاصيل معينة غالبا ما بتكون خفية بالنسبة للفرد العادى. كون جادل، ان اللى العلماء عادة بيشوفوا محدد مسبقا بمعتقداتهم. باحث عامل في النموذج الكوبرنيكي، عند مُلاحظتة للشمس، سيشاهد الشمس ثابتة والافق يشرق، اما فلكي عامل في النموذج البطلمي هيشوف الافق ثابت والشمس بتتحرك خلفة! .. لو كنت لسة ما ادركتش خطورة طرح كون، هبسطه لك في كلمات مباشرة .. طرح كون بيهدد موضوعية عملية الاختبار العلمي، لان لو الملاحظات مُحملة بمعتقدات وقيم النظرية محل الاختبار، اذن الملاحظة لايمكن ان تكون محايدة كحكم ما بين النظريات المتنافسة. ولو فكرة كون صحيحة، اذن تاريخ العلم سيكون مليئ بالحالات اللى جمع الادلة من الملاحظة سيكون مُتحيز وغير موضوعي من قبل الباحث! .. احد الامثلة من تاريخ العلم اللى يبدو ان الحالة دى بتحدث فيها هى البقع الشمسية sunspots  (هى بقع على سطح الشمس – الغلاف الضوئي، درجة حرارتها منخفضة عن عن المناطق المحيطة بيها) الظاهرة دى لم تدون ابدا في الغرب او الشرق الاوسط قبل الثورة الكوبرنيكية، لكنها كانت ظاهرة معروف بالنسبة لعلماء الفلك Duck-Rabbit_illusion.jpgالصينين من قرون. يبدو ان المعتقدات الابراهيمية السائدة في الشرق الاوسط والغرب واللي صورت السماء على انها صورة الهية كاملة غير متغيرة، منعت الباحثين من رؤية الظاهرة السماوية المتغيرة. وفي عدد كبير من الحالات الاخرى في تاريخ العلم اللى الملاحظ يبدو وكأنة متأثر بالنظرية. مثلا طبقا لنظرية جاليليو للحركة، من الممكن فقط ملاحظة الحركة النسبية وبالتالي لانشعر بحركة الارض مقارنة بالشمس، لانها لاتتحرك بالنسبة لنا، اما بالنسبة لناقدية، كل الحركة من الممكن ملاحظتها، وبالتالي فكرة ان الارض لاتتحرك مُحققة بتجربة كل البشر! .. جاليليو كمان جادل ضد فلاسفة الارسطوطالية حول ما يمكن مُلاحظتة من خلال التليسكوب. جاليلو اكتشف اقمار المشترى من خلال التليسكوب، لكن ناقدية تشككوا في صحة الاداة الجديدة (التليسكوب) وقتها، اما علماء الفلك الجداد اتفقوا مع جاليليو حول وجود الاقمار. لكن بالرغم من كدة، يبدو ان جاليليو اخطأ في تفسير حلقات زحل كأقمار، وبالتالي في بعض الحالات اخطأ الرؤية البصرية لكائنات ما على انها اقمار. من الجدليات الاخرى اللى استخدمها كون في دعم النظرية المحملة بالملاحظة هو اللجوء لحقيقة ان يبدو ان هناك اتصال ما بين الحالات اللى فيها الفرد بيلاحظ ظاهرة ما والحالات اللى فيها الفرد يستنبط شئ ما. مثلا تخيل انى بدعى مُلاحظة طائرة 41Uwypup2ZL._SX322_BO1,204,203,200_.jpgفي السماء، لكن في الحقيقة انا لاحظت نقطة وسلسلة من الدخان فاستنبط انها طائرة. بنفس الصورة عالم ما بيقول انه لاحظ تيار كهربائي في السلك من خلال تحرك مؤشر أميتر قياس التيار الكهربي، او من خلال الضوء في اللمبة. من الجائز في الحالات دى من الجائز اننا نقول ان الفرد استدل على وجود التيار بدلا من مُلاحظتة مباشرة .. بعض الكائنات زى الاشجار، الحيوانات، الطيور، وغيرها واضحة من خلال المُلاحظة، لكن كائنات اخرى زى البكتيريا، الجزيئات، الإلكترونات، والموجات الكهرومغناطيسية غير مُلاحظة بشكل مباشر. الفيلسوف الكندي بول تشيرشلاند Paul Churchland في كتابة المهم “الواقعية العلمية ومرونة العقل Scientific Realism and the Plasticity of Mind” اللى نشرة سنة 1979 جادل ان الادراك مرن Plastic بمعنى ان طبيعة ومحتوى التجارب الإدراكية من خلال الحواس بتتأثر بالنظريات اللى بنستخدمها في فهم ووصف العالم او على حد تعبيرة “نحن نعرف العالم من خلال ادراك العالم كما يدرك الاخرون!” ومن وقت لاخر الصورة اللى بندرك بيها العالم، بتتغير بشكل كبير لو بدأنا في الاعتقاد في نظريات جديدة.

الفيلسوف الامريكي جيرى فودور Jerry Fodor  طرح رؤية مخالفة في ورقة بحثية نشرها سنة 1984 بعنوان “إعادة النظر في الملاحظة Observation Reconsidered” وجادل بان باعطاء نفس المحفزات الحسية والبصرية كائنين لهم نفس التركيبة البصرية والحسية بشكل كبير هيُلاحظوا نفس الشئ!  .. او بصور اخرى جادل ان المعتقدات بشكل كبير نتيجة المُلاحظة من خلال الحواس، وفرق مابين تلك المعتقدات والمعتقدات المكونة بالاستدلال. واختلف بشكل جذرى مع طرح تشيرشلاند وكون. الفصل في هذا الخلاف محتاج لدراسة نفسية وادراكية للبشر، وفي عدد من التجارب استخدم لدراسة تلك الظاهرة، اللى اظهر ان على الاقل في بعض المواقف ما يتلاقة البشر من خلال حواسهم مُعتمد بشكل ما على ما نعتقد فية. وعلى الجانب الاخر هناك ادلة اخرى اننا لانرى ما نود ان نراة طبقا لمعتقداتنا وان الملاحظة غير مُحملة بالنظرية، لو فاكرة من حلقة إشكالية العلم طرحنا خداع  مولر – لاير Miiller-Lyer illusion كتجربة شهيرة على الفكرة دى. ونتيجة التجربة ان حتى لو قست السهمين بنفسك ووجدتهم مختلفين في الطول مازالت هترى احد الخطين اطول من الاخر، اللى بيستخدم كدليل على ان ادراكنا لايعتمد على مُعتقدتنا ونظرياتنا عن العالم. علماء الوضعية التجريبية اعتقدوا في مرحلة ما ان جمل المُلاحظة هى اساس العلم، لكن لو الجمل دى مُحملة بنظرية المُلاحظ عن العالم لن تكون محايدة وبالتالي غير كافية لتأكيد النظريات والفصل ما بينها. على اى حال، طرح ان الملاحظات محملة بنظريات ومعتقدات الملاحظ لايمكن اقرارة فقط بناء على التجارب العقلية والبصرية المطروحة، او من خلال عدد محدود من الحالات التاريخية اللى فيها العلماء اختلفوا مع المُلاحظة بناء على مُعتقداتهم. الاكيد ان العلاقة ما بين المُلاحظة والنظرية في العلم منطقة ملغُومة كل ما نقترب منها نتعرض لأخطار ومشاكل فكرية عويصة. أرجو انى اكون نجحت في لفت انتباهك لبعض الاشكاليات دى، وان التفريق البسيط ما بين هو نظرى و مُلاحظ امر غير ممكن او معقول . وفتحت شهيتك للبحث بعمق في علاقة الملاحظة والنظرية!

انعدام قابلية القياس للمقارنة Incommensurability

inference.jpg

من الافكار الاساسية والجوهرية في نظرية كون هو عدم قابلية المقارنة بناء على عامل او مقياس مشترك، انعدام قابلية القياس للمقارنة Incommensurability   مصطلح مقتبس من الرياضيات استخدمة كون والفيلسوف الاسترالي بول فييرابند Paul Feyerabend اللى جادلوا ان النظريات العلمية المتنافسة عادة ما بتفتقد عامل قياس مشترك ما بينها، بمعني ان لاتوجد طريقة طبيعية لمقارنة ايهما افضل . من اكثر الافكار تطرفا في فلسفة كون ان ما قد يعد كدليل ما داخل اطار بحثي معين بيعتمد في الاساس على النموذج الفكري العلمي السائد. لو الفكرة صحيحة ازاى هيكون من الممكن مقارنة نماذج فكرية متنافسة بشكل عقلاني؟ .. كون بيجادل ان لاتوجد معايير عليا لمقارنة النظريات المتصارعة غير اتفاق المجتمع العلمي المعني بالبحث والدراسة في هذا المكان. (حاجة كدة شبيهة بفكرة إجماع الفقهاء في المدارس الدينية المختلفة). والاختيار ما بين النماذج الفكرية ماهو الا تأصيل لفكرة الاختيار ما بين مجتمعات علمية غير متكافأة! ..من السهل مقارنة نموذجين متنافسين وهيكون واضحًا أنهما غير متوافقين. ولن يواجه الباحثون العاملون في أي نموذج مشكلة في تقديم أسباب تفوق نموذجهم على الآخر ، من خلال الإشارة إلى الاختلافات الرئيسية فيما يمكن تفسيره وما لا يمكن تفسيره. لكن هذه المقارنات ستكون مقنعة فقط لأولئك الموجودين داخل النموذج الذي يتم الجدال انه متفوق. هناك سببين للأشكالية دى، اتباع النماذج الفكرية غير قادرين على الاتصال بسبب غياب لغة تواصل مشتركة، المصطلحات واللغة المستخدمة غالبا 225px-Paul_Feyerabend_Berkeleyما هيكون لها مدلول مختلف. ثانيا، حتى وان اصبح الاتصال والتفاهم ممكن، انصار كل نموذج فكرى سيستخدموا معايير متباينة لقياس الادلة والجدال. وبالتالي لن يتفقا ابدا على ما يجب ان تحققة النظرية الافضل. في الحقيقة من السهل جدا قراءة كون على انه بيقول ان اللى بنطلق علية تقدم علمي ماهو الا مجرد علم نفس الغوغاء mob psychology ، وان التاكيد التجريبي لفرضية ما ماهو الا استعراض خطابي! وفي الحقيقة في عدد كبير من المفكرين حاول استخدام جدليات كون لدعم أفكار مدرسة نسيبة الأفكار العلمية relativism  اللى طبقا لها حقيقة النظريات العلمية بتُحدد بشكل عام طبقا للقوى الاجتماعية. أحد ابسط صور المدرسة هى النسبية المعرفية epistemic relativism هتجادل ان على سبيل المثال نظرية ما من الممكن عدها كمعرفة، فقط لان الباحثين والعلماء ذوى السمعة الاكاديمية ورفيعي المستوى أعتبروها كذلك. وفكرة ان النماذج الفكرية المتصارعة تفتقد لمعيار قياس مشترك بتعتمد على إشكالية المُلاحظة محملة بالنظرية theory-ladenness of observation. لان لو من الصحيح ان كل الملاحظات متأثرة بنظريات وقيم المُلاحظ اذن نتائج كل نموذج لن يمكن مقارنتها بالاعتماد على الاختبار مثلا لان أنصار النموذج المضاد لن يقبلوا نتائج التجربة طالما كانوا مُتحيزين ومُحملين نظرياتهم وأفكارهم. بكل تأكيد البشر في كل زمان ومكان بيصنفوا الاشياء والتجارب بطرق مختلفة جذريا في كثير من الاحيان. وفي كثير من الاحيان ايضا كي نفهم الفرضيات اللى بيصنها البشر لابد وان نضعها في علاقة مع البنية اللغوية لهم بشكل عام! .. أعمال بعض الباحثين والعلماء في وقت ما من الممكن ان تظل مفهومة حتى في إطار نظريات جديدة، مثال جيد على الفكرة دى هو نظرية السعرات الحرارية caloric theory للحرارة اللى وضعها الرياضي الفرنسي بيير لابلاس Pierre Laplace اللى طبقا لها الحرارة عبارة عن مادة، ومن خلال نظرية لابلاس قدر على حساب سرعة الصوت في الهواء بدقة عالية. احد علماء الفيزياء المعاصرين من الممكن بسهولة انة يفهم الطرق اللى استخدمها لابلاس للحساب بالرغم من ان الحرارة بتعد صورة من صور الطاقة مرتبطة بتذبذب ذرات المادة. على الجانب الاخر فرضيات ونظريات كميائي عصر التنوير السويسري براكلسوس Paracelsus غير مفهومة او مقبولة من جانب العلماء الآن لان الأسس العلمية القائمة عليها غريبة ومختلفة تماما عن التصور العلمي الحالي. مثلا جداله بأن النباتات التي أوراقها تحتوي على أشكال على صورة ثعبان من الممكن استخدامها كمصل ضد السموم! .. بكل تأكيد فرضية زى دى مش خاطئة لكنها غير قابلة للنفي، في تفسير كون ذلك أنها راجعة لأساليب تفكير منسية! .. هل اوراق النبات اللي عرقها على شكل ثعبان من الممكن استخدمها كمصل ضد السم؟ …   بعض الأسئلة من النماذج القديمة احيانا تصبح بلا معنى في النماذج الجديدة.

1_P41_zVCrpKTwvhmRZDKtIw.png

كوهن بيشبة تغيير النموذج العلمي بتحول شكلي او صورة gestalt switch  بصورة ابسط خداع بصرى، عند رؤية الصورة مرة كراس ارنب ومرة كرأس بطة. الخداع البصرى تجربة كونية عامة بالنسبة لكل البشر، بناء على طريقة عمل المخ والأجهزة البصرية! .. وبنفس الصورة، بالنسبة لكون التحول ما بين النماذج الفكرية على مستوى المفاهيم، والمبادئ عالمي وبيتبع منظومة فكرية محددة عند البشر. النظريات داخل النماذج الفكرية المختلفة لايوجد بينها معيار قياس مشترك، اى ان المصطلحات، المبادئ، والمفاهيم داخل النماذج العلمية المختلفة غير قابلة للتبادل. المفهوم الذى أطلق عليه كون غياب المعيار المشترك للمعنى   meaning incommensurability كون افترض أن المصطلحات العلمية بتأخد معناها من موقعها داخل هيكل النظرية. مثلا “الكتلة Mass” في نظرية نيوتن تعني شئ مختلف تماما عن الكتلة في نظرية اينشتاين النسبية. يبدو إذن أن بمقارنة الجمل اللى بتحتوى على مصطلح الكتلة في النظريتين، في الحقيقة احنا بنقارن جملتين لهم معنى مختلف. في الثورة الكوبرنيكية، معني الحركة  Motion تغيير بشكل جذرى تقريبا. هل من الممكن اننا نقول ان جاليليو واتباع النموذج الارسطوطالي كان اختلافهم مجرد اختلاف حول النظريات اللى بتفسر طبيعة الحركة؟ ولا المفروض اننا نقول ان ببساطة مفهومهم انهم قصدوا شيئين مختلفين لما استخدموا مصطلح الحركة؟ .. في الحقيقة كون ماقدمش اجابة قاطعة على التساؤل ده لان المصطلحات العلمية عادة لايكون لها معني محدد وثابت! .. قبل كون كان من الشائع ما بين العلماء والفلاسفة الاعتقاد بان مصطلح علمي معين مثلا “ذرة atom” بيشير الا ما تحددة النظرية عن الذرات. وبالتالي تصبح النظريات المختلفة عن الذرات اللى بتقدم طرح مختلف للذرات بتشير لكائنات مختلفة. الفكرة دى معروفة غياب الاشارة المشتركة reference incommensurability الفكرة اللى بتشكل إشكالية للمدرسة الواقعية realsim لانها بتقترح فكرة ان النظريات المختلفة عن “الالكترون” مثلا هى في الحقيقة نظريات download (3).jpgعن أشياء مختلفة تماما. وبالتالي لايوجد سبب للاعتقاد ان العلم صنع اى تقدم بالمرة في فهم طبيعة الأشياء. الفكرة اللى بتقودنا لطرح وجودى خطير، وهو ان لاتوجد طريقة الكون والواقع كائن عليها، لكن الواقع اللى احنا جزء منة هو عبارة عن مكون نظريتنا واطروحتنا عنة. في الواقع كون قدم الطرح ده بوضوح شديد في بنية الثورات العلمية The Structure of Scientific Revolutions لما قال “عند تجول النموذج الفكري العالم يتغير معه when paradigms change the world changes with them” .. تحت تلم الرؤية، اللغات المختلفة لصياغة النظريات وثيقة الارتباط بالعوالم المختلفة للنظريات المختلفة. بشكل ابسط، عالم اينشتين حرفيا هو عالم مختلف عن عالم نيوتن! وبالتبعية من غير الممكن اننا مثلا نقول ان كوبرنيكس اكتشف ان بطليموس او الفلاسفة السابقين كان مخطئ في اعتقادة ان الشمس بتدور حول الارض لان الارض عند كوبرنيكس بتشير لشئ اخر غير الارض عن بطليموس! .. وبالتالي كون اصبح في وجهة نظر العديد من العلماء والفلاسفة بيشكل خطر على مفهوم الحقيقة العلمية، او حتى مفهوم الواقع المجرد objective reality. واصبح هناك مفكريين مش بس بينادوا بان المعرفة العلمية نسبية، لكن الواقع نفسة مجرد نسيج اجتماعي! الفكرة المعروفة البنائية الاجتماعية social constructivism  أحدى نظريات المعرفة في علم الاجتماع، اللى لو طبقناها على العلم أصبح الفيزيائيين بيصنعوا الإلكترون في المعمل، والبيولوجيين بيصنعوا الحامض النووى تحت المجهر. الإلكترون لة نفسة الحالة الوجودية لحزب سياسي مثلا، او قانون ما، من حيث ان لة وجود فقط لان أفراد المجتمع اتفقوا على الاعتقاد في وجودة!

نسبية المعرفة العلمية Scientific Knowledge Relativism

images (3)

أفكار كوهن اثارت جدل كبير في المجتمع العلمي والفلسفي! .. على أقصى اليمين انصار مدرسة ان العلم هو مصدر كل المعرفة، والطريقة الوحيدة المثالية للبحث عن الحقيقة، اللى مش بس بيشوفوا ان قصص التكوين زى ادم وحواء، وطوفان نوح مش بس علميا غير صحيحة، لكن لادعى لأعتناق هذا النوع من الاساطير والخرفات، في اى ثقافة لان العلم قادر على اعطائنا تفسير لكل الظواهر الطبيعية، التاريخية، والجغرافية للأرض بل والكون كلة. ومش هتحتاج اكثر من زيارة لأقرب مكتبة منك علشان تلاقي عشرات بل مئات الكتب لنظريات علمية بتفسر كل شئ من العقل، الاخلاق، السلوكيات، اللغة، الاحياء، الفيزياء، الاقتصاد، الخ. وعلى أقصى الجانب الاخر، التيار اللى بيجادل ان لايوجد اى شئ مميز في العلم، وقد يكون اسوأ او في افضل الاحوال ليس أفضل من الخرافات والاساطير! .. لكن بالتأكيد من الممكن ان الفرد يعتنق رؤية متزنة عقلانية للعلم دون الحاجة لاعتناق نظريات اختزالية طبيعية عن العقل مثلا، او ان يتخلى عن معتقداته، أو يرفض كل صور البحث عن الحقيقة الأخرى. بل من الممكن ان تكون مدافع عن عقلانية العلم ومازال عندك تحفظات على بعض النظريات العلمية، او ناقد لبعض ممارسات العلماء، او متشكك في نتائج نظرية ما. لو كان عندك مفهوم واضح لطريقة عمل البحث العلمي، هيكون من السهل نقد الممارسات او المجتمعات العلمية بناء على مفهومك. مثلا لو كنت بتعتقد ان الطريقة العلمية الصحيحة لابد وأن كل نتائج البحث العلمي لابد وان تكون متاحة مجانا لكل العلماء والباحثين، لو كان هناك نوع من المعرفة العلمية غير متاحة مجانا للباحثين اذن هتعتبر هذة المعرفة غير علمية. كون لفت انتباهنا لان التحولات العلمية الكبرى العلماء في نهاية الامر مثل باقي البشر لا يرقوا للصورة المثالية اللى بيضعها الفلاسفة عنهم كمعظمين لقيمة العقلانية في اقصى صورها. يصنعوا القرارات بناء على الادلة بشكل محايد ومستقل عن 220px-Bertini_fresco_of_Galileo_Galilei_and_Doge_of_Venice.jpgاهدافهم، رغباتهم، وقيمهم الشخصية. على النقيض طبقا لكون، العلماء دائما ما بينتموا للنموذج الفكرى السائد، وفي كثير من الاحيان سيفعلوا اى شئ من اجل الحفاظ على النموذج في مواجهة الادلة الشاذة والمخالفة لطرحة، بما في ذلك تشويه البيانات التجريبية ، واستخدام القوة المؤسسية لخنق المعارضة ، واستخدام المنطق السيئ والحجج السيئة للدفاع عن الوضع الراهن ، وهلم جرا! .. وفعلا في بعض الأحيان، العلماء المخضرمين بيرفضوا اعتناق النماذج الجديدة، لكن في نهاية الامر بيغادروا الحياة، ويفسح المجال امام جيل جديد من العلماء لتطوير نموذج جديد مناسب. بطبيعة الحال ، السلوكيات الفاسدة والتفكير الخاطئ من سمات جميع مجالات الحياة البشرية، لذلك سيكون من المستغرب للغاية إن لم يتم العثور علم تلك السلوكيات في العلم ، ومن الواضح أن الفكرة القائلة بأن جميع العلماء هم متابعين للحقيقة مثل القديسين غير واقعية لدرجة السخافة. كون كمان أشار إلى أن الكثير من ممارسة العلوم روتينية نسبيًا ، وتتطلب قدرا كبيرا من المعرفة التقنية ، ولكن ليس بالضرورة قدرا كبيرا من التفكير النقدي. في الحقيقة معظم فلاسفة العلم فى الوقت الحالي بيقبلوا فكرة ان نظرياتهم عن العلم لابد وان تسترشد بتفاصيل العمل التاريخي في العلم اللى بيكون حساس بطبيعة الحال للأطار التاريخي والاجتماعي اللى تطورت فية النظريات! وعدم الاعتماد فقط على السرد النظري في الكتب العلميةـ واصبح هناك تدقيق كبير لما يقوم بة العلماء بدلا من ماذا يقول او يؤرخ العلماء لما يقوموا بة.  وفي الواقع تفكيك كون للأفكار الاساسية عن طريقة عمل العمل والعلاقة ما بين النظرية والمُلاحظة الهمت عدد كبير من الباحثين في التاريخ، علم الاجتماع، وفلسفة العلم ان يدرسوا ممارسات العلم بدقة وعين ناقدة بما في ذلك الطرق التجريبية، تحليل البيانات، ومقارنة الفرضيات، وغيرها من الممارسات اللى كانت عادة ما بُتهمل او لا تأخذ الكثير من الاهتمام مقارنة بالتركيز على النظريات العلمية نفسها. اذن يبدو ان من غير الممكن تجنب بعض الشك حول المعرفة العلمية، حتى أكثر فلاسفة العلم واقعية وعقلانية لن يستطيعوا ان يجادلوا ان النظريات العلمية المستقرة مُثبتة فوق اى شك، او ان حتى ان كانت كلها صحيحة. لكن ياترى ايه هو معيار الشك ده؟ وامتى يتحول من شك صحى لحالة مرضية تقف عائل في طريق احراز اى نوع من التقدم؟ .. القلق اللى موجود حول الطرق العلمية المألوفة هو ان اى حالات من الملاحظة او البيانات شاذة على النظريات هى بمثابة لغم مؤقت في انتظار الانفجار وحدوث الكوارث! .. لو الفكرة دى سليمة، السؤال هيكون لية لابد وان نصدق افضل نظريتنا العلمية المُتاحة؟ .. الاشكالية الاخرى هى فكرة عدم وجود معيار مشترك للقياس او المقارنة بين النظريات. كون جادل ان كل نموذج فكرى بيأتى مع قواعدة ومبادئة لتحديد الادلة المقبولة كنتائج للتجربة. احد الامثلة المفضلة عند كون على الاشكالية دى هو تحديد دور العلم في التفسير السببي Causal Explanation .. بصور ابسط هل النظريات العلمية لابد وان تقدم تفسير سببي للأشياء؟ هلا لابد وان نتوقع ان النظرية العلمية دائما ما ستكون قادرة علىة تفسير الطرق القائم عليها الاحداث؟ .. ولا النظرية من الممكن ان تكون نموذج رياضي بيصف ظاهرة ما بدون ان يقدم اى تفسير سببي لها؟ .. المثال الشهير من تاريخ العلم على الفكرة دى هو طرح نيوتن لنظرية الجاذبية، نيوتن قدم وصف رياضي لقوى الجاذبية من خلال قانونة الشهير التربيع العكسي inverse square law  لكنه لم يقدم الطريقة اللى قوى التجاذب بتعمل بيها. بكل تأكيد من الصعب تقديم تفسير ميكانيكي لقوى الجاذبية وقتها، لكن هل معنى هذا ان نظرية نيوتن كان فيها اشكالية .. ولا من المفترض ان لا نتوقع ان كل النظريات العلمية هتقدم تفسير سببي للظواهر محل الدراسة، وان النموذج الرياضي قد يكون كافي في بعض الاحيان .. كون جادل ان لاتوجد اجابة قاطعة على هذا التساؤل وقد how_the_inverse_square_law_works_for_photography.jpgتكون النموذج الرياضي او التفسير السببي سبب تفضيل نموذج على اخر في بعض الاحيان! في الحقيقة أفكار كون ومناقشتة بالتحديد لفكرة عدم وجود معيار قياس مشترك للمقارنة بين النظريات المتصارعة كانت السبب الرئيسي في تصنيفة كأحد فلاسفة النسبية العلمية Relativist وكتابة هيكل الثورات العلمية عادة ما بينظر له على انه احد اللبنات الاساسية المؤسسة لأعمال فلاسفة النسبية حول العلم والمعرفة بشكل عام في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن كون نفسة كان شديد التعجب ان المجتمع الفلسفي والعلمي قرأ أفكاره بتلك الصورة. النسبية في ابسط صورها هى وجهة النظر. قد تكون لفرد، مجتمع، او جماعة من الناس. كل الحقائق نسبية من وجهة نظر طارحها او معتنقها. وفي الحقيقة طرح كون في كتابة في تقيمي الشخصى السبب في الالتباس ده، لان في بعض الاحيان بيستخدم لغة تشير لان افكارة نسبية مثلا لما بيجادل ان النماذج الفكرية لاتعني التقدم او التطور بالضرورة، او ان الانتقال من نموذج لاخر سيقودنا في النهاية لنموذج افضل من كل سابقية، الرؤية دى اساسية في اى طرح لفلاسفة النسبية داخل اطار العلم او خارجة.  لكنة في مواضع اخرى من الكتاب بيشير لان النماذج الجديدة لها قوة تفسيرة اكبر اللى يبدو انه بيخالف الطرح النسبي المعتاد. على اى حال الاشكاليات دى قادت لطرح سؤال من قبل الفلاسفة على كون يعد الاهم في رأيي لفهم جوهر مدرستة الفكرية. وهو هل يحدث تقدم Progress في العلم على الاطلاق؟ … رد كون المبدأي ان بكل تأكيد التفسيرات المختلفة في الصورة الكبرى للعلم تبدو كنوع من التقدم للعامة والمراقبين من الخارج، في لحظات التحول من نموذج فكرى لاخر انصار النموذج الجديد بالتاكيد هيطلقوا على هذا الانتصار تحول تقدمي! الرؤية المتسقة بشكل كبير مع طرح فلاسفة النسبية! .. لكن كون طور طرح اخر مختلف لظاهرة التطور في العلم، اللى بتتناقض مع الرؤية النسبية، كون جادل بأن العلم يتمتع بنوع خاص من الكفاءة ، وهذه الكفاءة تؤدي إلى صورة حقيقية من التقدم خلال الثورات. ومن الممكن قياس هذا التقدم في حل المشكلات من خلال عدد ودقة الحلول للمشاكل، اللى يبدو انها في حالة زيادة مطردة مع مرور الوقت! … عارف انك الصورة اصبحت مشوشة ومختلطة قدامك .. في الحقيقة الطرح ده فعلا متناقض مع طرح كون الاول بان الثورات العلمية دائما ما بيحتوى على خسائر ومكاسب، وان لايوجد معاير متفق عليها لقياس نتائج النماذج الفكرية. كون قدما الطرح الاخير ده قدمة كون حرفيا في الصفحات الاخيرة لكتابة، في رأيي كون كان بيحاول الوصول لحل وسط ما بين النسبية المطلقة والواقعية المجردة، الامر اللى ادى لأساءة فهم مقصدة من جميع الاطراف، وتناقض طرحة الداخلي.

265810458c670b2.jpg

 كوهن واجهة اتهامات عديدة بأنة بيدافع عن افكار نسبية relativist، لكن في الحقيقة كون حاول دافع عن نفسة مرارا بأنة ليس متطرف في أفكارة كما يعتقد البعض، وغالبا ما هيكون واضح بالنسبة لك لماذا اعتقد بعض الفلاسفة ان كون بيجادل ان التغير العلمي جزئيا مُحدد بعوامل إجتماعية ونفسية وليس مسألة عقلانية بحتة قائمة فقط على الدليل المادى العقلي. لكن في الواقع في صعوبة كبيرة في قبول الفكرة دى خصوصا مع النجاح الكبير اللى حققة العلم وتطبيقاته عبر العصور!.. وفي أعمالة اللاحقة كون حاول يبعد نفسة عن الافكار المتطرفة دى اللى بيتلغي دور العقلانية تماما في تقدم العلم، وترفض فكرة مقارنة النظريات في النماذج المختلفة بناء على عوامل قياس مشتركة، وجادل ان هناك خمس قيم أساسية مشتركة في اى نموذج فكرى علمي

(1) النظرية لابد وان تكون دقيقة تجريبيا empirically accurate  داخل نطاق اختبارها -الفيزياء، الاحياء، الكمياء، الخ

(2) النظرية لابد وان تكون متسقة  consistent  مع كل النظريات الاخرى المقبولة داخل هذا النطاق

(3) النظرية لابد وان تكون واسعة النطاق scope  وليس فقط محاولة حل الاشكاليات او الظواهر اللى النظرية وضعت لتفسيرها

(4)  النظرية لابد وان تكون بسيطة simple  قدر المستطاع

(5) النظرية لابد وان تكون مثمرة fruitful من حيث تقديمها اطار او منظومة لإستكمال البحث العلمي. اكيد واضح من القيم او المبادئ الخمسة ان كون حاول قدر المستطاع تجنب فكرة اللاعقلانية irrationalism  الكاملة ..

لكن المبادئ بتضع بعض الحدود عن النظريات العلمية التى يمكن ان يقبلها او يرفضها العلماء. على الجانب الآخر، هذة القيم غير كافية لتحديد القرارات اللى المفروض اخذها في الحالات المهمة، لسبب بسيط جدا وان هذه القيم أو المبادئ نفسها بتتضارب! النظرية من الممكن ان تكون بسيطة لكنها غير دقيقة، او مثمرة لكنها ليست واسعة التطبيق، الخ. ده غير ان المصطلحات نفسها واسعة التطبيق لغويا، البساطة من الممكن فهمها من حيث البنية، او من حيث الخلفية الصادرة عنها النظرية، الخ. على اى حال سواء كان دور العقلانية في التغيير العلمي مسألة متفقة مع فلسفة كون، من الواضح جدا ان افكارة بتهدد احد اهم الدعائم الاساسية في العلم وهى ان المعرفة العلمية تراكمية، لأن تحول النماذج العلمية تعني التخلي عن النظريات القديمة بدلا من تراكم المعرفة، العلم غير موحد لان كل شئ بيحدث داخل فروع العلم الفرعية نسبي بالنسبة للنموذج الفكري المسيطر في الوقت الحالي. ولاتوجد وجهة نظر موحدة محايدة للمعايرة والمفاضلة بين النظريات وبالتالي تبرير احقية النظريات بالحقيقة وهم. والعلم غير محايد ومستقل عن القيم لان العوامل الاجتماعية والنفسية وبالتالي التفريق ما بين النظريات العلمية ومنظومات الاعتقاد امر مبهم وصعب للغاية. والطريقة الوحيدة لترسيم الحدود demarcate  ماهو علمي وماهو غير علمي هى اللجوء لحل إشكالية طريقة عمل العلم المألوف، والاعتماد على قيم ومبادئ كون الخمسة.

f71ac186ddc7f6e551226337c324fe2c.jpg

هيكل الثورات العلمية The Structure of Scientific Revolutions  أحد اهم الكتب عن المنظومة العلمية في القرن العشرين! الكتاب اللى نشرة فيلسوف ومؤرخ العلم الامريكي توماس كون Thomas Kuhn  في ستينيات القرن الماضى، اثرة كان واسع النطاق واصبح جزء من كل جدل فلسفي دائر حتى الان حول العلم وطبيعة عمل الطريقة العلمية! .. من الصعب جدا انك تجد مؤلف في فلسفة العلم بعد نشر الكتاب لم يحتوى على اشارة ان لم تكن فصول كاملة داعمة، ناقدة، او متشككة في طرح هيكل ثورات كون! .. الافكار اللى اثرها انتشر خارج نطاق العلم وظهر تأثيرة في مجالات أخرى زى السياسة، ادارة الاعمال، وحتى الفن! .. أهمية كتاب كون بترجع لثورية طرحة، واقترابه من أفكار بدت للكثيرين مقدسة وغير قابلة للمساس. كون قدم رؤية السلوك العلمي فيها يبتعد كثيرا عن الصورة الفلسفية التقليدية لعقلانية طرق بحثه عن الحقيقة وتحصيله للمعرفة! .. لكن لعنة هيكل الثورات العلمية طاردت كون باقي رحلتة الفكرية، وتقريبا قضى معظم بحثة الفكرى بعد نشر الكتاب يحاول يبرأ نفسة، يوضح طرحة، يدافع عن نظريتة، ويبعد نفسة قدر المستطاع عن الافكار والمدارس المتطرفة اللى قامت على او استغلت طرحة!.. فكرة النموذج الفكري paradigm   جوهرية لفهم عمل كون، وفي تقيمة هى جوهر طبيعة العلم، النموذج الفكري حزمة من الادعائات حول طبيعة العالم، الطرق والادوات المستخدمة لتحصيل المعرفة وتحليل البيانات من الطبيعة، والعادات والتقاليد القائمة داخل الجماعة العلمية! .. وفي طرحة الثورات الكبرى في العلم تحدث عندما يتم التحول من نموذج فكرى ما لنموذج فكرى جديد، وجادل ان المنطق والتجربة غير كافيين لتغيير رأى العلماء واغرائهم بالتحول من نموذج لأخر، لان النماذج دى في كثير من الاحيان لايوجد ما بينها معيار مشترك للقياس. كثير من المفكرين اتهموا كون بانة ادعى ان العملية العلمية غير عقلانية بالمرة، لكن كون بكل تأكيد لم يعتقد ان أفكارة بتدعو لذلك، وادعى بدلا من ذلك ان طرحة بيقدم فكرة معقدة لطريقة عمل المنطق، التجربة، والعامل النفسى والاجتماعي لأحداث التغيير العلمي! .. كون غير فلسفة العلم بطرحة صورة حية لعملية التغير العلمي. مليئة بصفات غير متوقعة بالمرة، وحاول القاء الضوء على اسئلة معرفية من وجهات نظر غير تقليدية بالمرة. والأهم من ذلك ، أن كون عزا نجاح وقوة العلم إلى توازن دقيق بين عوامل معقدة وفي نفس الوقت هشة في اليات البحث العلمي. العلم مدين بقوته للتفاعل بين اليات العلم المألوف المنظمة المقادة بمنهج واضح ودقيق ، إلى جانب قدرة هذه الأنماط السلوكية المنظمة على التفكك وإعادة تكوين نفسها في مرحلة الثورات. لكن بسرعة كبيرة ناقدى كون وجدوا إشكاليات وتناقضات داخلية في طرحة، بداية من التفريق اللغوى ما بين ما هو وصفي الى ما هو معيارى. وانتهاء بعدم وضوح كون في ان كان التقدم داخل العلم عملية نسبية. وفي الحقيقة لو حاولنا تطبيق اليات وافكار كون على تاريخ العلم هنجد حالات محدودة، خصوصا في تاريخ علم الأحياء اللى كثير من تاريخها يختلف مع طرح كون.

164390461-human-wallpapers.jpg

القصة اللى بدأنا بيها مقتبسة عن قصة الفيلم الاميريكي “الصحوة Awakenings” اللى قامت بأخراجة بينى مارشل Penny Marshall سنة 1990 وقام فية بدور الطبيب روبين ويليامز Robin Williams وبدور  غير تقليدى لشخصية المريض لينورد اترشح عنة لجائزة اوسكار الممثل الامريكي روبرت دى نيرو Robert De Niro. قصة الفيلم حقيقية عن مذكرات طبيب الاعصاب الامريكي أولفير ساكس Oliver Sacks اللى نشرها تحت نفس العنوان سنة 1973. من خلال قصة الفيلم حاولت انى اقدم لك صورة لنوع من الثورات العلمية الصغيرة اللى حدثت داخل تلك المستشفى فيها الطبيب كان مدفوع بشىئ اخر غير المنطق والعقلانية فى فرضيتة اللى لاقت اعتراض المجتمع العلمي العامل داخل النموذج القائم وقتها وهو ان الحالة هى نوع من ثبات المخ العميق، لكن مع اصرارة الطبيب لاجراء التجربة اظهر بعض النتائج الناجحة مؤقتا، لكن في نهاية الامر عادت الحالة للمرضى، وعاد النموذج القديم للصورة، لكن النتائج المؤقتة كانت بمثابة نموذج الشرارة اللى اطلقها الطبيب لبداية البحث تحت النموذج الجديد المنافس.

ودلوقتى .. فكر في أى نظرية علمية درستها خلال حياتك … لية ياترى بتعتقد في صحة المعرفة من تلك النظرية؟ .. هل المعرفة العلمية تراكمية مبنية على سابق العلم؟ … اما أنها ثورية استبدالية لما سبق عليها؟ … هل التغير العلمي عقلاني و تجريبي كما ينظر العلماء؟ .. ام أنة محكوم بقيم، ومعتقدات المجتمع العلمي المسيطر؟ … فكر تاني!

Download MP3:

في الحلقة الجاية .. هنكمل رحلة بحثنا وتفككينا لهيكل العلم وتركيباتة .. عن الواقعية العلمية … مدارس ضد الواقعية …. الفوضى المعرفية .. ومرحلة مابعد الثورات .. هنتفلسف الحلقة الجاية

 

من دلوقتى للحلقة الجاية

عيش الحياة بفلسفة

 

زود معلوماتك:

Peter Godfrey-Smith – Theory and Reality

https://goo.gl/GeKj3K

Alex Rosenberg – Philosophy of Science: A Contemporary Introduction

https://goo.gl/RRfoqg

James Ladyman – Understanding Philosophy of Science

https://goo.gl/DfrzG4

George Couvalis – The Philosophy of Science: Science and Objectivity

https://goo.gl/c2eosa

Carl G. Hempel – Philosophy of Natural Science

https://goo.gl/Dc53as

Alan F. Chalmers – What Is This Thing Called Science

https://goo.gl/5khso5

The Blackwell Companion to the Philosophy of Science

https://goo.gl/BwQf5o

قابلية الدحض Falsificationism 

https://goo.gl/y1pum6

توماس كوهن Thomas Kuhn

http://bit.ly/2Px6G8l

هيكل الثورات العلمية The Structure of Scientific Revolutions

http://bit.ly/2PygIG4

تحولات النموذج الفكري paradigm shifts

http://bit.ly/2Px6KF7

مبادئ الرياضيات  Principia Mathematica

http://bit.ly/2PzduSX

جاليليو  Galileo

http://bit.ly/2PzZaJM

بورهوس فريدريك سكينر B. F. Skinner

http://bit.ly/2PyaNAZ

النموذج السلوكي Behaviorism

http://bit.ly/2PwemHI

خوارزميات التعلم التأكيدية Reinforcement Learning Algorithms

http://bit.ly/2PygU8g

نظرية فلوجستن للأحتراق phlogiston theory of combustion 

http://bit.ly/2PASESR

الاكسدة للأحتراق oxidisation theory of combustion

http://bit.ly/2PBpW4r

النظريةالبطلمية لحركة الكواكب Ptolemaic theory of planetary motions

http://bit.ly/2PBqoQb

الواقعية العلمية Scientific Realism

http://bit.ly/2Pxv1uB

كوبرنيكس Copernicus

http://bit.ly/2PBqGXh

الملاحظة المحملة بالنظرية theory-laden

http://bit.ly/2Pxv4Xj

بول تشيرشلاند Paul Churchland 

http://bit.ly/2PygXkt

انعدام قابلية القياس للمقارنة Incommensurability

http://bit.ly/2PACIA2

نسبية الأفكار العلمية relativism 

http://bit.ly/2PACOHU

الصحوة Awakenings

http://bit.ly/2PADtJo

http://bit.ly/2PASTgJ

Music Credit

===========

Naseer Shamma – Happened at All: Amiriyaa

https://goo.gl/r0ijGP

Randy Newman – Leonard
http://bit.ly/2PwiOWW

Randy Newman – L-Dopa
http://bit.ly/2PC4rRc

Brandon Fiechter – Fairy Realm

https://goo.gl/t7zXPZ

Derek Fiechter – Dance of the Shadows

https://goo.gl/hec9Ah

Brandon Fiechter – Waltz of the Fairies

https://goo.gl/1Bexxp

Lucas King – Liar

https://goo.gl/zwy8B7

Lucas King – Victim

https://goo.gl/ZqK4WK

Derek & Brandon Fiechter – Dark Mystery

https://goo.gl/fejt6i

Kevin MacLeod – Pooka

https://goo.gl/lslojY

للتواصل ومتابعة باقى الحلقات تابعونا على:

https://www.facebook.com/KalamFalsfa

https://kalamfalsfa.wordpress.com

https://plus.google.com/u/0/+KalamFalsfa

https://twitter.com/kalamfalsfa

https://archive.org/details/@kalamfalsfa

 

Leave a comment