EP51: After Scientific Revolutions ما بعد الثورات العلمية

تخيل انك اب لطفل صغير مشرق ومليئ بالحيوية أسمة لورينزو! .. في خضم مشاغل حياتك  العملية انت ووزوجتك، لورينزو بتبدأ تظهر عليه أعراض مرضية غريبة، بيقع بسرعة، حركته بدأت تبطأ، يتلعثم فى الكلام، وما بيسمعكوش بسرعة. لما لتعرضوة على الاطباء بيشخصوا حالتة بالمرض النادر بيضاء الدماغ ALD، فى غمرة صدمتكوا قدام الطبيب بيشرحلكوا ان التحاليل اظهرت درجات عالية من  الاحماض الدهنية متراكمة في دم لورينزو اللى بتأثر على مخة، بتحاول تكون متماسك وأنت بتسأل الدكتور “ازاى الدهون بتأثر على مخة؟” .. بيشرحلك ان المرض نتيجة أختلال في جسيم اكسدة الحمض الدهنى اللى بيسبب تراكم سلال طويلة من الحمض الدهني في جميع انسجة الجسم، وبصورة ما  أكثر الانسجة تأثرا هو الميالين، القشرة الكظرية والجهاز العصبي .. بتسألوة “بصورة ما؟ .. ممكن تشرح بتفصيل أكثر” .. هيرد “للأسف لسة مش عارفين بالتحديد ازاى المرض ينتشر” .. بيشرح ان الميالين هو الانسجة الدهنية اللى بتحمى الاعصاب، في عدم وجودها المخ بيفقد القدرة على نقل الاشارات خلال الأعصاب تقريبا زى المادة العازلة حول سلوك الكهرباء، ALD بيأدى لتآكل المادة دى وبالتالي المخ بيفقد القدرة على التحكم في الجسد وبيصبح المريض تدرجيا غير قادر على التحكم في اى اعضاء جسمة، .. بتقولوا “أكيد هناك باحث ما بيعمل على علاج؟” .. بيقول “للأسف المرض ده من عشر سنين فقط الاطباء كانوا غير قادرين حتى على تحديدة، الاطباء مازالوا في مرحلة فهم المرض ” .. صدى كلمات الطبيب وقعة ثقيل عليكوا قبل ما زوجتك بتسألة “أنت قصدك ان ما فيش علاج على الاطلاق؟” .. بيرد “للأسف لا” .. بتخرجوا من عند الطبيب وانتوا في حالة مزرية، بتحاولوا تتماسكوا قدام ابنكوا. بتبدأ بالبحث والقراءة عن المرض، تفاصيل تطور الحالة بتصدمك ..   نوبات صرع، فقدان السمع وصعوبة في التنفس بعد 6 شهور، فقدان الرؤية والحركة بعد 20 شهر .. الموت في خلال 24 شهر. بتنهار وانت بتصرخ وتبكي من حكم الإعدام اللى صدر على ابنك المسكين. بتبدأ في البحث عن متخصصي فى  الحالة، الطبيب بيرشدك لطبيب بيعمل على علاج من خلال نظام غذائي صارم .. في عيادة الطبيب بستغربوا من انه بيمنع كل الاكل اللى بيحتوى على سلال طويلة من الحمض الدهنى، تقريبا كل انواع الاكل الصحي، بيشرحلكوا لان انزيم اكسدة الاحماض الدهنية دى معطوب في جسد لورينزو لابد من التحكم في كمياتها في جسدة حتى لاتتركم وتسبب تآكل الميالين، كل ما نأمل فية هو ابطاء انتشار الاعراض لان لاتوجد طريقة لأصلاح الشبكة العصبية مرة اخرى. الصدمة الاكبر بتقع على زوجتك لما الطبيب بيطلب منها أن لابد من فحص كل افراد عائلتها خصوصا الاطفال، لان المرض بينتقل عن طريق جينات الام. بتشعر بالمسؤولية عن نقل المرض لأبنها. بتبدأ رحلة الصراع مع المرض، احد الاطباء بيجرى تجارب بالعلاج الكيمياوى لإبطاء انتشار الاعراض، بيحذركوا من آثار جلسات العلاج على ابنكوا في هذة السن الصغيرة. لكنكوا بتصروا على اجراء الجلسات، لورينزو فقد القدرة تماما على الحركة، وبيتنفس بصعوبة بالغة. الطبيب بيطلب منكوا تصريح بعرض لورينزو في محاضرة على الطلبة والباحثين، اللى قد يساعد في تقدم البحث العلمي في مقاومة المرض. بتشعروا بالاسى وطفلك امام مئات الباحثين والطلبة، خصوصا لما بيحاول يسأل بصعوبة عن سبب وجود كل الناس دى، ويتلعثم في الكلام. بتعثروا على جمعية من الأهالي اللى أطفالهن مصابين بنفس المرض، بتذهبوا لحضور أحد اجتماعاتهم بعد دعوتهم. عشرات من الآباء والأمهات مجتمعين في محاضرة لطبيب التغذية بيشرح فيها نشر تأثير نظام التغذية في كتاب للأمهات عن وصفات الاكل المفروض تحضيرها للأطفال. زوجتك هتقاطع المحاضرة وتقول ان مستويات الأحماض الأمينية زادت عن لورينزو بعد تجربتكوا للنظام الغذائي ويمكن قبل ما يتم نشر البحث لابد من التأكد إن كان له تأثير بالمرة وبيسألوا ان كانت اسر اخرى شافت نفس النتيجة، 3 أسر أباء آخرين بيقولوا انهم رصدوا نفس الاعراض . بيقاطع رئيس الجمعية ويقول إن دى دراسة معملية علمية محكومة ومش مجرد استفتاء، احنا مش علماء علشان نقرر أن كانت نتائج التجربة صحيحة أم لا. بتسألوا واية الضرر لما نعمل استفتاء، هيرد المنظم لانها مجرد بيانات غير رسمية غير مفيدة في البحث العلمي، الطريقة الوحيدة لإيجاد علاج هو تطبيق بروتوكول البحث العلمي الصارم ودراسة عينات احصائية في جماعة معبرة ومنتقاة. وهذة هى الطريقة الوحيدة اللى من الممكن ان يجد العلماء علاج للمرض من خلالها. بتعترض زوجتك، اذن انت بتقول ان اولادنا في خدمة العلم والبحث العلمي، انا كنت فاكرة ان البحث العلمي والعلماء في خدمة المرضى!.. بتقرروا ان لن يساعد احد لورينزو سواكم. وعلشان تقدروا تساعدوة لابد وان تدرسوا المرض واعراضة، بتعسكروا في المكتبة العامة، بتقرأو كل شئ عن الاحماض الدهنية الامينية والابحاث اللى بيجريها الاطباء على الحيوانات في المعمل. أول شئ بيصدمكوا ان الاطباء بيعملوا في معزل عن بعضهم البعض وبتالي البحث العلمي يتطور في سنوات. بتنظموا ندوة علمية دولية لكل الباحثين والأطباء العاملين على المرض. بتستمروا في البحث الا ان تصلوا لفكرة علاج بينطوى على إضافة نوع معين من النفط المقطر (يحتوي بالفعل اثنين من الأحماض الدهنية سلسلة طويلة محددة ، معزولة من زيت بذور اللفت وزيت الزيتون) على النظام الغذائي لأبنكوا. المشكلة ان النوع ده من النفط المقطر لم يجرب بعد على البشر ولابد من تجريبة على الحيوانات أولا طبقا لبروتوكول البحث الطبي. لكن تدهور حالة لورينزو اللى فقد السمع، والحركة، والبصر بتدفعكوا وراء اى خيط من الامل. شركات الادوية ترفض العمل على العلاج لان لايوجد عدد كافي من المرضى يكفي لتغطية نفقات البحث العلمي. بعد رحلة بحث طويلة بتصلوا لكيميائى بريطاني مسن على وشك التقاعد يساعدكوا في تقطير الصيغة المناسبة من الزيت. اللى بتظهر اثارة سريعا على لورينزو بعد أن اعاد معدلات تراكم الأحماض الدهنية طويلة السلسلة إلى نسبتها الطبيعية في جسدة ، وبالتالي أوقف تقدم المرض. للأسف لا يمكن عكس آثار الأضرار العصبية في المخ والشبكة العصبية لكنك لم تكل وتبدأ في تنظيم جهود الاطباء والباحثين مرة أخرى في محاولة علاج تلق الميالين. لورينزو أصبح عنده 14 سنة وأظهر تحسن واضح  .. استعاد القدرة على السمع، والأبصار، التحكم في أصابعه وتحريك رأسه من جانب لآخر. لكن رحلة العلاج مازالت طويلة، شاقة ومليئة بالتحديات!

ZACK O'MALLEY GREENBURG, NICK NOLTE, SUSAN SARANDON

محاور

منهجية البحث العلمي، برامج البحث العلمي، تقاليد البحث العلمي، الفوضى المعرفية، ضد الطريقة، المثابرة والانتشار في العلم، منظومات التغيير العلمي

1_ChE2GfcnD4V7ofiLb7UYVg.jpeg

بعد نشر توماس كوهين لكتابة المثير للجدل هيكل الثورات العلمية The Structure of Scientific Revolution في النصف الثاني من القرن العشرين، فلسفة العلم أصبحت زاخرة بالمناقشات والجدليات المكثفة والساخنة في كثير من الأحيان حول طبيعة العلم والطريقة العلمية. وتطورت عدد من النظريات والمدارس الفكرية المصاحبة لنظرية كوهين عن النماذج الفكرية أو المضادة لها. الاطروحات الفلسفية دى سيطرت عليها مجموعة عامة من المبادئ و الأنماط الفكرية اللى تناولت طبيعة حدوث التغيير العلمي .. ان كانت عملية موحدة أم مستويين من التغيير داخل منظومة البحث وتغيير انتقالي من منظومة لأخرى. وإن كانت منظومات البحث العلمي متنافسة ام متعاقبة؟ .. برامج البحث العلمي كانت أحد أهم ثمار تلك الفترة وتكليل لفكرة النماذج الفكرية اللى طرحها الفيلسوف المجرة لاكاتوس وأصبحت صورة متطورة من طرح كوهين ، لكنها امتازت عليها بفكرة التنافسية بين برامج البحث. كوهين أصر أن المجال العلمي الواحد عادة ما يحتوى على نموذج فكري واحد عامل في نفس الوقت حتى تقوم علية الثورة داخليا، الفكرة اللى تم نقدها من غالب الفلاسفة والعلماء في طرحة، بالرغم من الانجذابimages (1) العام تجاه فكرة النماذج الفكرية بشكل عام. الامر اللى لاحقا ادى لتطور فكرة برامج البحث العلمي، اللى ازدهرت وتطورت مع مرور الوقت لصور أكثر جاذبية وقوة. لكن الصور المناهضة لطرح كوهين وانصارة كانت ايضا على نفس القدر من القوة واثارة الجدل في منتصف القرن العشرين الفيلسوف الأسترالي بول فيربيند Feyerabend طرح رؤية لن أبالغ لو قلت انها الاكثر اثارة للجدل في تاريخ فلسفة العلم حتى اللحظة، اعتنق فيها فيربيند رؤية شافها البعض انها جنونية، والبعض الآخر عبقرية ثورية. وجادل من خلالها لصورة من “الفوضوية المعرفية   epistemological anarchism”.. وجهة نظر يتم فيها استبدال قواعد الأسلوب والسلوك العلمي بموقف حر يسير فيه “كل شئ جائز”. لكن زى ما هنشوف كوهين، لاكاتوس، وفيربيند تفاعلوا مع بعضهم البعض وتطورت نظرياتهم في كثير من الأحيان كرد على أطروحات الآخرين، لدرجة أن أهم أعمال فيربيند ضد الطريقة Against Method اللى نشرة سنة 1975 كتبه طبقا له كخطاب للاكاتوس، الذى وافته المنية سنة 1974 قبل ما يكتب الرد على فيربيند.

منهجية البحث العلمي The Methodology of Scientific Research

museumofhistoricalscienceoxfordbyianwallman-273.jpg

Professor_Imre_Lakatos,_c1960s.jpg

حياة الفيلسوف والرياضي المجري امري لاكاتوس Imre Lakatos كانت قصة مثيرة للغاية! اتولد في المجر، وكان عضو في المقاومة الشعبية للحزب النازي خلال فترة الحرب العالمية الثانية. بعد أنتهاء الحرب عمل في السياسة، اللى اعتقل على أثرها ثلاث سنوات. بعدها غادر المجر لأنجلترا وانتهى به الحال في كلية الاقتصاد بلندن يعمل مع كارل بوبر Popper. لاكاتوس عادة مابيدعي ان أفكارة الاساسية عن العلم ضمنية في أفكار بوبر، او انها مجرد افكار جانبية بالنسبة لرؤية بوبر. وبالرغم من ان هناك الكثير من الحقيقة خلف هذا الادعاء، الا ان من لابد القاء الضوء على بعض الجوانب المهمة في افكارة لرسوم صورة مكتملة لفلسفة العلم في القرن العشرين. رد فعل لاكاتوس على طرح توماس كوهي Thomas Kuhn في عملة الاهم هيكل الثورات العلمية The Structure of Scientific Revolution (ارجع لحلقة الثورات العلمية) كان غاضب وعنيف! واعتقد ان كوهين بيمثل خطر كبير على العقلانية، المنطق، والمجتمع ككل. لاكاتوس رأى ان كوهين طرح عملية التغير العلمي كعملية غير عقلانية بالمرة، مجرد علم نفس الغوغاء mob psychology الاعلى صوتا، والاكثر سطوة وسلطة سيفرض رؤيتة بغض النظر عن العقلانية والمنطق. لكن الطرح اللى وضعتة امامك في الحلقة السابقة عن كوهين (ارجع لحلقة الثورات العلمية) بيبعد كثيرا عن الرؤية دى. في رؤيتي كوهين تصور العلم على انه آلية تكاد تكون معجزة لتفسير العالم بتضرب بدقة مدهشة اتزان شديد ما بين المنهجية ونمطية التغيير و الثورات الكبرى الغير منظمة. لكن لاكاتوس على الجانب الاخرى لم يرى في رؤية كوهين سوى الفوضى والخطر، لكنه في نفس الوقت ادرك القوة الخفية في جدليات كوهين القائمة على نماذج من تاريخ العلم. وبالتالي وضع هدف ومهمة حياتة انقاذ عقلانية العلم من اثار التدمير اللى الحقة كوهين بها. لكن في الحقيقة لاكاتوس لدية رؤى عن العلاقة ما بين تاريخ العلم وفلسفة العلم اللى تبدو في كثير من الاحيان عجيبة جدا. وجادل ان دراسة الحالات التاريخية لابد وان يستخدم في تقييم الرؤى والاطروحات الفلسفية حول العلم، لكنه ايضا جادل ان لابد وان نعيد صياغة تاريخ بعض حلقات تاريخ العلم بصورة عقلانية 250px-Joseph_Wright_of_Derby_The_Alchemistrational reconstructions تجعل قرارات العلماء تبدو اكثر عقلانية قدر المستطاع. ونشير في اماكن اخرى او في الحواشى المواضع اللى البناء العقلاني للحالات التاريخية لم يكن مطابقا لما حدث في الواقع! … اى بصورة اخرى من المقبول جدا ان نشوة ونحرف ما حدث في الماضى طالما اننا سنشير لهذا التعديل في مواضع اخرى، ما يهم هو ان خلال مناقشتنا للحالة التاريخية ان نرسم صورة فيها القرارات العلمية تظهر عقلانية ومنطقية ( وفي الحقيقة بالرغم من غرابة الطرح ده وحيودة كثيرا عن امانة البحث العقلي، لم يلاقي أعتراض او دهشة كبيرة في الوسط الفلسفي على الاقل في حدود إطلاعي، ومازالت غير قادر حتى اليوم للحصول على اجابة شافية على هذا التناقض) .. على اى حال بجانب الرؤية العجيبة دى، لاكاتوس طور رؤية لمنظومة العلم كان لها تأثير كبير في النصف الثاني من القرن العشرين داخل الوسط العلمي اللى اصبحت معروفة ب”منهجية برامج البحث العلمي  methodology of scientific research programs”.

برامج البحث العلمي Research Programs

research_homepage_slider_programs.jpg

برنامج البحث العلمي   A research program  عند لاكاتوس تقريبا موازى لفكرة النموذج الفكري Paradigm عند كوهين بشكل عام. الاختلاف الكبير مابين الاطروحتين هو عادة ما يوجد اكثر من برنامج بحث علمي داخل المجال الواحد في نفس الوقت. طبقا للاكاتوس، المنافسة ما بين برامج البحث العلمي هى فعلا ما يحدث في الواقع داخل العلم، وهى ايضا عملية ضرورية واساسية للعقلانية والتقدم. الرؤية دى تم تطبيقها داخل كل صور العلم من الفزياء للعلوم الاجتماعية. برنامج البحث العلمي هو كيان تاريخي، بيتطور مع الزمن وبيشتمل على مجموعة من النظريات المرتبطة ببعضها البعض. النظريات اللاحقة تطورت كرد على مشاكل سابقة فى النظريات 411nuky1nEL._SX321_BO1,204,203,200_السابقة. لاكاتوس زى كوهين اعتقد ان من المقبول بل والشائع والمبرر لبرامج البحث العلمي ان تستمر لمدة من الزمن بالرغم من وجود الحالات التجريبية الشاذة الغير مفسرة. العاملين داخل برنامج بحثي ما عادة ما هيكون لديهم التزام تجاة هذا البرنامج، ولن يرفضوا الافكارة الاساسية له بمجرد ظهور بعض المشاكل او الحالات الشاذة. لكن مثل كوهين، لاكاتوس اعتقد ان البرامج البحثية ترفض وتهجر في بعض الاحيان، وبالتالي نظرية متكاملة للتغيير العلمي لابد وان تفسر نوعين من التغير (1) التغير داخل برامج البحث العلمي المستقلة (2) التغير على مستوى مجموعة من برامج البحث العلمي داخل مجال علمي ما. برنامج البحث العلمي له مكونين اساسين عن لاكاتوس. الاول نواة صلبة hard core  وهو مجموعة الاكفار الاساسية والرئيسية داخل البرنامج، والثاني هو حزمة واقية protective belt مجموعة الافكار الاقل جوهرية من نواة النموذج المتسخدمة لتطبيق افكارة النموذج الاساسية في الطبيعة. واى صورة من نظرية علمية ما لابد وان تحتوى على هذين النوعين من الافكار. على سبيل المثال برنامج البحث النيوتوني في القرن الثامن عشر كان له نواة صلبة وهى قوانين الحركة الثلاثة لنيوتن، وقانون الجاذبية, اما الحزام الواقي تغير حسب الفترة الزمنية، في بعض الاوقات احتوى على افكار تفصيلية حول المادة، ورؤية حول هيكل الكون ونظامة، واداوات لربط نواة البرنامج البحثي بالظواهر الطبيعية. أو برنامج البحث الدارويني في الأحياء في القرن التاسع عشر، نواة الصلبة احتوت على ادعائات عن فكرة اشتراك الكائنات الحية في الأصل البيولوجي، وشجرة الأحياء. والتغيير والتنوع في صور الحياة نتيجة تراكم طفرات صغيرة تم تفضيلها خلال عملية الانتقاء الطبيعي. اما حزام برنامج دارون الوقائى احتوى على محاولات لتغيير بعض الكائنات في شجرة الاحياة، وافكار حول عملية توارث الصفات، التنوع، الصراع من أجل البقاء، وعملية الانتقاء الطبيعي، الخ.

9780226467757.jpg

لاكاتوس طرح مجموعة قواعد للتغيير داخل برنامج البحث العلمي، القاعدة الأولي، التغيير يحدث فقط في حزمة الافكارة الوقائية، ولا تحدث ابدا لنواة الأفكار الأساسية. القاعدة الثانية، التغيير في الحزمة الوقائية لابد وان تحدث تدريجيا. الفكرة اللى من الواضح جدا ان لاكاتوس اقتبسها من بوبر، برنامج البحث العلمي دائما في حالة تمدد ليشمل عدد اكبر من الحالات. برنامج بحث تطوري هو برنامج بحث ناجح في زيادة رقعته التفسيرية. وعلى النقيض البرنامج البحثي في حالة احتضار لو كانت التغييرات بداخلة تفسر نفس الحالات بدون مد رقعتة التفسيرية لحالات اخرى جديدة. لاكاتوس اعتقد زى كوهين ان كل برامج البحث العلمية بتقابلها حالات شاذة anomalies، وعقبات تجريبية في اى وقت. النموذج البحثي في حالة الاحتضار بتترجع قوتة التفسيرية، وبيصبح غير قادر على مجاراة الحالات الشاذة، على العكس من النموذج التطورى الناجح بتمتد رقعتة التفسيرية وبيقابل النفي والضحد بقوة. داخل المجال العلمي الواحد في اى وقت يوجد عدد من البرامج البحثية المتنافسة، بعضها بيتقدم بسرعة، والبعض الاخر بيتراجع. من السهل اننا نستنتج ان قاعدة لاكاتوس التالية هى اختيار البرنامج البحثي الاكثر تقدما. اللى هيساعد العلماء على تطوير البحث وصناعة القرارات العلمية الصائبة داخل هذا المجال. لكن في الحقيقة دى ماكنتش القاعدة اللى وضعها لاكاتوس. اللى جادل ان من المقبول جدا حماية برامج البحث العلمي لفترة من الوقت خلال تراجع قوتها التفسيرية، لان من الجائز جدا ان تستعيد قدرتها التفسيرية مرة اخرى، حتى وان كان هناك نموذج علمي قادر على تفسير عدد كبير من الحالات. ده لان تاريخ العلم مليئ بحالات لبرامج بحثية تعافات من فترات سيئة كانت فقدت الكثير من قدراتها التفسيرية خلالها، وبالتالي من العقل ان نعطي برامج البحث فترة مناسبة لأحتمال استعادة قدرتها التفسيرية مرة اخرى … سامع سؤالك! … وياترى ايه مدة الفترة الزمنية دى؟ … في الحقيقة لاكاتوس ماحددش المدة. لكن الفيلسوف الأسترالي بول فيربيند Feyerabend

112046663-75964ffd-c1e8-422e-8f7d-30bf552620a5.jpg

استغل النقطة دى في طرح لاكاتوس وجادل ان لو لاكاتوس ما قدمش لنا قاعدة واضحة عن متى يجب على الباحثين والعلماء التخلي عن برنامج بحثي في حالة تراجع اذن نظريتة تكون فارغة تماما العقلانية! .. هل هناك اذن قاعدة ثالثة وضعها لاكاتوس لأرشادنا في التفريق بين البرامج البحثية المتصارعة؟ .. في الحقيقة لا .. لاكاتوس جادل ان قرار الاستمرار في العمل على برنامج بحثي في حالة تراجع سيعد مخاطرة كبيرة high-risk! .. وبالتالي يبدو ان لاكاتوس بينصح الباحثين بالاستمرار في العمل داخل البرنامج البحثي المتراجع فقط ان كان لديهم قدرة على تحمل خطورة عالية كفشل بحثهم العلمي بالكامل. وفي الحقيقة لاكاتوس محق فى ان البشر باختلافها لديها درجات مختلفة من قدرة تحمل الخطورة. لكن في الحقيقة بالرغم من النظام والمنهجية والانضباط الشديد الظاهر في عمل لاكاتوس الا انه فشل في اعطاء قاعدة محددة حول تلك النقطة الجوهرية في عملية التغير العلمي. وفيربيند كان عند حق في رؤية التناقض الشديد ما بين خطابة لاكاتوس حول أفكارة وحقيقتها وطبيعتها في الواقع. أكيد من الواضح بالنسبة لك دلوقتى التشابهة الشديد بين طرح لاكاتوس وكوهين بالرغم من ان لاكاتوس كان شديد المعارضة والهجوم على أفكار كوهين! .. ماتستعجلش بالرغم من تشابة الافكار، الا أن جوهرها مختلف! .. كوهين كان عندة ثقة شديدة في المبادئ الاساسية الضمنية في النماذج الفكرية وقدرة العلم على ايجاد طريقة للمضى قدما بعد حدوث الثورات داخلة، بالرغم من الصراعات والفشل في كثير من الاحيان. وبالنسبة له بمجرد التخلص من صورة العلم المثالية في عقلنا، الصورة الباقية صحية بشكل كبير. او بصور ابسط كوهين وثق في العلم في ايد مجموعة من القيم الضمنية المشتركة. لاكاتوس، على الجانب الاخر كان بيبحث عن منظومة منهجية قائمة على القواعد المحددة. لو تجنبنا التناقض الداخلي في رؤية لاكاتوس، وبدلا من هذا طرحنا تساؤل ان كانت صورتة عن هيكل العلم مفيدة باى صورة؟ … في الحقيقة اعتقد ان الاجابة بديهيا هتكون نعم .. بكل تأكيد فكرة النماذج البحثية المتنافسة مفيدة، واكثر قربا من واقع العلم من رؤية كوهين عن النماذج الفكرية ..  وقد تظهر قيمتها في بعض المجالات العلمية اكثر من غيرها. علم النفس مثال جيد على تلك الحالة،   والابحاث الحالية في علم النفس التطوري evolutionary psychology تبدو كبرنامج بحثي  كما طرح لاكاتوس! .. وفي الحقيقة قد نجد داخل المجالات العلمية المختلفة مزيج من حالات وأمثلة داعمة لكلا من رؤية كوهين و لاكاتوس! .. في علم الأحياء مثلا عادة ما بنجد اتفاق على المبادئ الاساسية لكن تنافس وصراع حول برامج البحث المختلفة حول تفاصيل تطبيقية. لكن لو نظرنا مثلا على علم الأحياء التطوري evolutionary biology  هتلاقي فكرة مشابهة للنموذج الفكرى الواحد paradigm   مثلا النظرية الاصطناعية synthetic theory   اللى بتحتوى على مزيج من المبادئ الداروينية والابحاث الجينية. لكن بداخل هذا التعميم يوجد عدد كبير من البرامج البحثية المتنافسة. مثلا النظرية الحيادية للتطور الجزيئي neutral theory of molecular evolution بتحاول تفسير التنوع والتغير في جزيئات الحامض النووى من خلال عمليات عشوائية بدلا من عملية الانتقاء الطبيعي. البرنامج البحثي ده متوافق تماما مع الادعاءات المركزية في النظرية الاصطناعية، لكنه بيتناقض مع بعض الطرق القياسية في تطبيق النظرية الاصطناعية على التنوع الجيني داخل الجماعة. ده بالاضافة لوجود نماذج وحالات البرنامج البحثي قد ينفصل عن التيار البحثي العام داخل المجال ويتطور بشكل مستقل لعقود من الزمن قبل ان يعود مرة اخرى للأنضمام للتيار الرئيسى داخل المجال العلمي. بالتالى يبدو ان هنالك بعض المجالات العلمية اللى قد تحتوى على نموذج فكرى سائد  paradigms  وعملية علم طبيعي أو مألوف طبقا لكوهين، ومجالات أخرى بها برامج علمية متنافسة، ومجالات اخرى تحتوى على مزيج من الاثنين! … لكن في الحقيقة لو كان لاكاتوس شاف أفكارة ضمنية في أفكار بوبر، هل بوبر ايضا اعتقد ان طرحة على خلاف مع طرح كوهين كما رأى لاكاتوس؟ … في الواقع في سبعينيات القرن الماضي لما واجهة بوبر اطروحات كوهين بشكل مباشر، قال ان علم كوهين المألوف او الطبيعي Normal Science له وجود وقد يحدث فعلا في اطار المؤسسة العلمية لكنه ليس واسع الانتشار كما حاول كوهين تصويرة! .. والاهم من ده انه اعتقد ان فكرة العلم المألوف فكرة سيئة لابد من تجنبها!

تقاليد البحث العلمي  Scientific Research Traditions

Scientific-Breakthroughs.jpg

في أهم أعماله “التقدم ومشكلاته Progress and Its Problems سنة 1977،  الفيلسوف الأمريكي المعاصر لارى لودان Larry Laudan طور رؤية مشابهة لطرح لاكاتوس عن برامج البحث العلمي من حيث البنية الاساسية لكنها أكثر تطورا. زى لاكاتوس، لودان أعتقد أن كوهين وصف العلم كعملية غير عقلانية بالمرة، او على حد تعبيره القرارات العلمية عملية سياسية ودعائية ( القراءة دى غير دقيقة لكوهين في وجهة نظرى زى ما أشرت سابقا). لكن على اى حال لودان أدرك قوة الحالات التاريخية اللى استخدمها كوهين لدعم نظريته. وعلى نفس نهج لاكاتوس، لودان حاول تطوير رؤية فيها من الممكن تواجد مجموعة متنافسة من النماذج الفكرية المتنافسة داخل المجال العلمي الواحد. وضرب نماذج عديدة من تاريخ العلم لدعم نظريته. لودان أطلق على فكرة وحدات البحث العلمية دى تقاليد البحث research traditions بدلا من تسمية لاكاتوس برامج البحث research programs. لكن الفرق بين طرح لاكاتوس و لودان مش مجرد فرق اصطلاحي. في الحقيقة طرح تقاليد البحث download.jpgاللى قدمة لودان أكثر قوة ومعقولية من طرح لاكاتوس. اللى شاف ان النظريات متسلسلة داخل برنامج البحث العلمي مرتبطة منطقيا. كل نظرية نطاق تطبيقها أوسع من سابقها داخل برنامج البحث العلمي. ولاكاتوس وضع قاعدة اساسية وهى ان مبادئ الاساسية او النواة الصلبة غير قابلة للتغير. لكن بالنسبة لودان النظريات العلمية داخل تقاليد بحث علمي واحد أقل ارتباطا. ومن الممكن تغير بعض الأفكار الاساسية. بل والاكثر من هذا ان بالنسبة للودان ان لايوجد حرج من ان نظرية جديدة قوتها التفسيرة او الحالات اللى بتفسرها أقل من سابقيها. او على حد تعبيرة احيانا التراجع في التفسير ضرورى. وبالنسبة له احيانا النظريات من الممكن ان تنفصل عن تقليد بحثي وتنضم لتقليد بحثي اخر. مثلا، الافكار الاولي لنظرية الديناميكا الحرارية اللى طورها الكميائي الفرنسي سادى كارنت Sadi Carnot نشأت داخل تقاليد البحث العلمي اللى رأت الحرارة كمائع او سعرات حرارية caloric . لكن الافكار نفسها اخذت وتطورت داخل تقاليد بحث علمي منافس رأى الحرارة كحركة المادة. أحد أهم ابتكارات لودان فى طرحة هو تمييزه ما بين القبول acceptance والسعي وراء pursuit النظريات! الافكار الفلسفية اللى طرحتها عليك لحد دلوفتى وبتحاول تفسر سلوك العلماء تجاة البحث النظريات، فسرت السلوك ده على انه نوع من الاعتقاد belief. لكن المعتقدات لها درجات متفاوتة هناك معتقدات يؤمن بها الفرد على حذر ومعتقدات راسخة. العلماء لابد وان يشوب اعتقادهم درجة من الحذر، لكن مازالت الفكرة الاساسية هو ان هناك نوع واحد من السلوكيات تجاة النظريات العلمية وهو الاعتقاد سواء كان حذر ام راسخ. لكن لودان جادل ان هناك في الحقيقة نوعين من السلوكيات وتقاليد البحث العلمي داخل عباءة العلم. القبول والسعي acceptance and pursuit. القبول قريب من فكرة الاعقاد، ان تقبل شئ هو ان تعتقد في صحتة، لكن السعي امر مختلف، هو مجرد تقرير العمل على فكرة ما، والبحث فيها لأسباب اخرى مختلفة عن الثقة في ان الفكرة دى غالبا صحيحة. بشكل أوضح، من الجائز جدا ان يسعى الفرد وراء فكرة ما لايقبلها على الاطلاق. من الممكن ان يعتقد الفرد ان لو فكرة ما صحيحة، النتيجة والعائد كبير. او من الممكن ان يعتقد الفرد ان فكرة ما غير صحيحة لكن لابد على الاقل من البحث فيها واستكشافها، وفي عدد كبير من الاسباب اللى من الممكن ان تدفع الباحث للعمل على او السعي وراء فكرة ما بالرغم من عدم وجود أعتقاد لدية سواء راسخ او شكوكي في صحة الفكرة. لودان وضع التفريق ما بين القبول والسعي في قلب عملية صناعة القرار داخل العلم. ووضع مجموعة واضحة ومحددة من القواعد على العكس من لاكاتوس. بالنسبة للودان من العقلاني دائما السعي وراء تقاليد البحث ذات المعدل الاعلي في التقدم وحل المشكلات. لكن ليس معنى هذا ان لابدو ان نقبل الافكار الاساسية داخل هذة التقاليد البحثية. قبول النظريات والافكار يتم على مستوى قدرتها العامة على حل المشكلات، وليس بمعدل التغيير. وربما يجب ان نقبل ببعض من الحذر النظريات التى لديها أعلى مستوى من قوة حل المشكلات. الامر اللى بيفسر لماذا قد يميل العلماء لقبول الافكار في تقاليد البحث السائدة لكن في نفس الوقت قد يعملوا على تقليد بحثية هامشية لكن معدل تقدمها وتطورها أعلى مقارتة بالتقاليد السائدة والراسخة، بالنسبة للودان القرار ده عقلاني. لو تصورنا تقليد بحثي معدل تقدمة بطيئ في الوقت الحالي، لكن هناك اسباب ودوافع جيدة ان معدل تقدمة قد يتحسن في المستقبل، هل من المفروض اننا نكمل البحث فية ام نتركة لصالح التقليد اللى معدل تقدمة اعلي؟ ..  لودان جادل ان التفريق ما بين القبول والسعي قد يساعد في حل الاشكالية دى. لكنه لم يحاول وضع قواعد للتعامل مع كل حالة بما في ذلك الحالات اللى قد يحالف الباحث فيها الحظ السئ! .. شبح الازمة المعرفية لفلسفة العلم بدأ يخيم علينا. لان السؤال اللى بيطرح نفسة دلوقتى، ماهى المشاكل الاساسية والعامة اللى فلسفة العلم من المفروض ان تتعامل معها؟ .. مش من الواضح ان كانت فلسفة العلم ايه هو نوع المبادئ اللى المفروض فلسفة العلم تضعها .. 51Qi9PALyAL._SX329_BO1,204,203,200_.jpgهل هى قواعد وإجراءات معقدة زى اللى وضعها لودان؟ .. وفي الحقيقة طرح لودان المعيارى لعملية صناعة القرار داخل العلم من خلال التنافس بين التقاليد البحثية كان قوى ومثير للأعجاب! .. لاكاتوس ولودان قدموا طرح بيركز على فكرة تقرير العلماء الاختيار ما بين مجموعة من الافكار أو النظريات العلمية المتنافسة داخل مجال علمي واحد، واى منها قد ينضموا الية، لكن في سؤال اخر مهم يبدو ان ايا منهم لم يطرح، هل عدد العلماء العاملين على نظرية ما، برنامج بحثي، او تقليد بحثي ما له تأثير على القرار؟ .. يبدو ان كلا من لاكاتوس ولودان شافوا ان لاتوجد مشكلة ان اطروحاتهم قد توجة كل الباحثين للعمل على نموذج بحثي واحد طالما كان انجح من النماذج الاخرى…. لكن النتيجة دى قد تكون خاطئة لان العلم قد يكون في حالة افضل لو كان هناك الية داخل البحث العلمي من الممكن فيها الرهان على اكثر من فكرة! … لو الفكرة دى صحيحة، السؤال المعرفي حول ما يجب ان تهتم به فلسفة العلم قد يختلف بشكل كبير! .. ويصبح ما افضل توزيع للعلماء العاملين داخل مجال ما على البرامج والتقاليد البحثية المختلفة؟! … هناك طريقتين للأجابة على السؤال ده، الاولى باللجوء للأختيارات الفردية. هل أفضل بالنسبة لى العمل على برنامج بحثي ما مقارنة بآخر؟ .. وبالنظر لتوزيع الباحثين على البرامج البحثية المختلفة، هل هناك ازدحام حول برنامج ما مقارنة بالاخرين؟ .. لكن الاجابة الاخرى على التساؤل قد تكون ما هى افضل طريقة لتوزيع الباحثين على البرامج البحثية المختلفة لتعظيم المنفعة العلمية؟! .. الامر المثير للسخرية، ان بالرغم من ان كوهين في هيكل ثوراتة العلمية لم يعتقد ان داخل العلم هناك تصارع ما بين النماذج الفكرية، والثورة والانتقال هو السمة السائدة الا انه كان مدرك لمشكلة توزيع الباحثين على النماذج البحثية كأشكالية اكثر من لاكاتوس ولودان. وجادل ان قوة العلم في قدرتة على توزيع المخاطرة، بفتح المجال امام العلماء لصنع قرارات مختلفة، خصوصا وقت الازمات وتحول النموذج الفكرى.

الفوضى المعرفية Epistemological Anarchism

Funeraloftheanarchistgalli.jpg

أحد أكثر فلاسفة العلم إثارة للجدل والشطح بالافكار الفلسفية في فترة ما بعد كوهن، هو فيلسوف العلم الأمريكي-النمساوي بول فيربيند Paul Feyerabend اللى اتحول من دراسة العلم للفلسفة بعد الحرب العالمية الثانية وقضى معظم حياتة في تدريس الفلسفة بجامعة بيركلي بكاليفورنيا. في بداياتة فيربيند كان مُتأثر جدا بكارل بوبر اللى عمل معة في الخمسينيات. لكن في بداية الستينيات بدأ يجمح بأفكارة ناحية رؤى مُغامرة. وتأثر وأثر بشكل كبير في أفكار كوهن. من الممكن تلخيص أفكار فيربيند اللى طرحها في كتابة الاهم “ضد الطريقة Against Method” اللى نشرة سنة 1975، في فكرة واحدة “الفوضى المعرفية epistemological anarchism” .. Paul_Feyerabend_Berkeley.jpgفيلسوف الفوضوية المعرفية ضد كل الانظمة والقواعد داخل العلم. العلماء الناجحين لهم عقلية مُغامرة، وخلاقة، بستخدموا اى شئ او طريقة من أجل الاكتشاف و السعي وراء المعرفة. واى محاولة لوضع منظومة قواعد لعمل العلم هتحجم الطاقة الخلاقة دى. فيربيند جادل ان لو نظرنا في تاريخ العلم، العلماء الناجحين دائما ما كانوا على استعداد لكسر القواعد والقوانين اللى بيضعها الفلاسفة. والقاعدة الوحيدة اللى من الممكن ان نثق انها لن تعيق تقدم العلم هى “كل شئ مباح”! .. طبعا فيربيند في طرحة كان اكثر موضوعية من الوصف ده، واستخدم مجموعة من الافكار حول اللغة العلمية و الحالة النفسية وقت الملاحظة. على نفس نهج كوهن، اعتقد ان النظريات العلمية المتنافسة غير قابلة للمقارنة من الناحية اللغوية  linguistically incommensurable ( ارجع لحلقة الثورات العلمية) وجادل ان الملاحظات العلمية مُحملة بأفتراضات نظرية وبالتالي لا يمكن اعتبارها أختبار حقيقي محايد. الافكار دى لم تكن قائمة على حُجج قوية او مقنعة حول اللغة العلمية وبالتالي لم تكتسب قوة إقناعية كبيرة. المثير في الأمر ان فيربيند نفسه في اول كتابة طلب من القارئ عدم الثقة في الافكار اللى هيطرحها في كتابه وان فيلسوف الفوضى المعرفية قد يستخدم المنطق والعقلانية لزعزعة العقلانية نفسها! .. على اى حال فيربيند جادل أن العلم هو أحد جوانب الإبداع البشري. وبالتالي الأفكار العلمية والتغير العلمي لابد من تقييمه بناء على المفهوم ده. فيربيند بيجادل ان العمل البشري في مجموعة بما في ذلك العلم، ابداعي ونتاج تطور الابداع والافكار الخلاقة، ولا يجب السماح لاى شئ بالوقوف في طريق تلك العملية. أفكار فيربيند وتركيزه على القيم والعمل الإبداعي أثر بشكل كبير في قراءته لأعمال الآخرين. وفي ورقة بحثية بعنوان ” مواساة المتخصص Consolations for the Specialist” نشرها سنة 1970 أظهرت افكارة كأحد اهم الناقدين ادراكا لعمل كوهن. معظم فلاسفة العلم زى ما شفنا قبل كدة شافوا خطر محدق على العلم والعقلانية في أعمال كوهين، لكن فيربيند شاف العكس، ان كوهن بيحفز العلماء ان يعلموا بالية وميكانيكية منظمة. وشاف ان كوهين بيمجد روتين عقلي ممل اطلق عليها العلم المألوف او الطبيعي Normal Science وعملية تعليمية بتنتج علماء تقليدين. وان كوهين بيشجع اسوأ الاتجاهات 51r75wuKvLL._SX333_BO1,204,203,200_.jpgفي علم القرن العشرين تجاة العلم كوظيفة، والعلماء موظفين ضيقي الافق والحدود، مجرد الات لتنفيذ الافكار المألوفة وبيتجنبوا المخاطرة والافكار الغير تقليدية!.. لو فاكر من الحلقة السابقة لما قلت لك ان من اكثر الإشكاليات اللى بتواجة قارئ اعمال كون وأطروحاته، هو التفريق بين ما هو وصفي descriptive وماهو معياري normative . او بصورة ابسط التفريق بين ماهو قائم، او الحالة الكائنة في مقابل ما يجب ان تكون علية الأشياء! .. فيربيند شاف ان الغموض ده في طرح كوهين كان امر متعمد لغويا! .. لتأسيس صورة ايجابية في عقل المتلقي عن اكثر صور العلم انتشارا. وجادل ان العقلية اللى بيحاول كوهين تشجيعها ستقود لتوابع أخلاقية في العمل العلمي. ده بالاضافة لانة جادل ايضا ان كوهين كان مخطئ حول دور العلم المألوف او الطبيعي في تاريخ العلم، وطبقا له النماذج الفكرية تقريبا لم تأسس ابدا السيطرة اللى وصفها كوهين، ودائما عبر تاريخ العلم ما كان هناك باحثين مُغامرين يعملون خارج المؤسسة السائدة على أفكار جديدية.  في الحقيقة فيربيند لم يكن كما يحلو للكثير من المفكرين تصويرة عدو للعلم! .. لكنه كان عدو لنوع معين من العلم. وطبقا له في القرن السابع عشر العلم كان صديق الحرية والإبداع! .. وكان في موقف المقاومة والصدام مع الكنيسة الكاثوليكية اللى تمثلت فيها الأفكار التقليدية المألوفة الغير ابداعية. وكان شديد الإعجاب بالمغامرات العلمية اللى حدثت في تلك الفترة خصوصا أبحاث جاليليو! .. لكن العلم اليوم طبقا له لم يعد علم جاليليو! .. وانتقل من تيار المقاومة والحرية لتيار العدو والرتابة والمألوف. العلماء أصبحوا “نمل بشري”، “آلات” غير قادرة على التفكير خارج اطار المألوف والقائم الذي تدربوا عليه. وسطوة العلم داخل المجتمع بتهدد تحويل الإنسان على حد تعبيرة الى “آلات بائسة، غير ودودة، بلا سحر او ابداع” وفي كلمته الختامية في كتابة “ضد الطريقة” أعلن ان المجتمع يجب ان يتحرر الآن من قبضة المؤسسة العلمية المستبدة، تماما كما تحرر في الماضى من قبضة المؤسسة الدينية المستبدة!

ضد الطريقة Against Method

E76Ko.jpg

الجدلية التاريخية كانت الاهم في طرح فيربيند في عمله الأهم و واحد من أكثر الكتب اثارة للجدل في القرن العشرين “ضد الطريقة Against Method” (اللى طبعا مش محتاج أقول لك لو كنت باحث عن مغامرة عقلية شيقة ومثيرة ان تقرأه في أقرب فرصة ممكنة). في جزء كبير من الكتاب فيربيند اعتمد على المناقشة التاريخية لجدال جاليليو ضد علماء المنظومة الارسطوطالية المنافسة في بدايات القرن السابع عشر.  جاليليو دافع عن حقيقة اداعائات كوبرنيكس بان الارش بتدور حول الشمس بدلا من العكس الفكرة السائدة وقتها. واحد أهم التحديات اللى جاليلو كان لابد وان يواجها هى الحجة البديهية من خبرات البشر ضد فكرة ان الارض تتحرك. او زى ما أطلقنا عليها جدلية البرج Tower Argument لو القينا بكرة من فوق برج بتسقط بجانبة بالرغم من ان البرج طبقا لطرح كوبرنيكس تحرك مسافة كبيرة في دائرة وقت سقوط الكرة في الهواء. كل تجاربنا اليومية بتشير الا ان الارض ثابتة وغير متحركة، دى مش جدليات من الحكمة الارسطوطالية او من التعاليم الدينية، لكن من تجارب البشر اليومية.وبالتالي البشر في القرن السابع عشر كان عندهم أسباب قوية لرفض الفكرة ومقاومة جاليليو! .. لكن جاليليو رفض الجدليات دى في عملة الأهم “حوار حول النظامين الرئيسيين للكون Dialogue concerning the Two Chief World Systems” اللى نشرة سنة 1632 وبصبر غير تقليدي حاول ان يظهر النموذج الكوبرنيكي Adam_Bernaert_-__Vanitas__Still_Life_-_Walters_37682.jpgمتناسق ومتفق مع كل تجارب الحركة اليومية اللى يعيشها كل البشر! .. لو الارض في حالة حركة، اذن الكرة الساقطة من البرج ستكون تحت تأثير مجموعة من الحركات، بتتحرك في حركة سقوط تجاة الارض، لكنها في نفس الوقت بتتحرك في دائرة كبيرة مع البرج والأرض. وفي تجاربنا اليومية قدرتنا الادراكية للحركة غير قادرة على التفريق عندما يكون البرج في حال حركة دائرية مع الأرض. طبقا لفيربيند اللى كان على جاليليو القيام به وقتها هو خلق طريقة جديدة لوصف الملاحظة في الطبيعة. فيها وصف الحركة الظاهرة للعين متسق مع فرضية  النموذج الكوبرنيكي، وقتها فقط تصبح فرضية كوبرنيكس مقبولة. اى ان اللى العلم كان لابد وان يقوم بة في تلك الحالة وحالات اخرى مشابهة هو كسر قيود الرؤية الكونية worldview القديمة اللى اثرت حتى على ابسط طرق وصف الملاحظة. العلم عند فيربيند هو دائما مسألة مواجهة التحدى بدلا من مجرد اتباع الملاحظة. دى احد الامثلة البسيطة اللى شافها فيربيند واسعة الانتشار. مجموعة المبادئ التجريبية البسيطة اللى بيحاول الفلاسفة الزج بيها في طريق العلم، لو اخذ بها جاليليو و المجتمع العلمي في القرن السابع عشر يبدو انها كانت هتدفعهم لرفض نظرية علمية هى الاصح والاكثر قبولا الان وسط كل العلماء والبشر وهي دوران الارض حول الشمس. الفلاسفة بيعتقدوا بحسن نية ان العلم ناجح بسبب اتباعة للملاحظة وبيحاولوا تعميم الفكرة دى، لكن التاريخ من وجهة نظر فيربيند بيشير الى ان المبادئ العامة اللى الفلاسفة يريدوا تعميمها ستقودنا في الاتجاه الخاطئ. بالرغم من ان كتاب فيربيند ملئ بالتعليقات الساخرة، المستفزة، المبالغة، بل والمهينة احيانا. الا ان الفكرة العامة دى مسيطرة على كتابة. مبادئ الطريقة العلمية والاستراتيجية العامية في القرن السابع عشر اللى بتعمل على تأكيد النظرية من خلال الاختبار كانت ضد جاليليو، اللى اضطر انه يصنع ادعاء ضخم جدا بضرورة اعادة النظر في التجربة والخبرة اليومية للفرد العادى، باعتبار المقاييس دى وتطبيق الرؤى الفلسفية التقليدية حول كيفية عمل العلم، وخاصة الطريقة التجريبية، غالبا ما كنا هنتمسك بطرح الارسطوطالية بدلا من الرهان على طرح جاليليو. لكن فيربيند لم يتوقف بالحجة عند هذا الحد، وبالغ في تطويرها، لمبدأ عام من الصعب جدا (على الاقل بالنسبة لى) الدفاع عنه والوقوف بجانبه وقال في ضد الطريقة “لهذا انصح الفرد بالميل ضد العقل في أى ظرف من الظروف، لان العلم قد يستفيد من هذة النزعة الغير عقلانية أحيانا” .. فيريبند بيدعي ان من الممكن ان بعض القواعد او المبادئ تخطئ في تطبيقها، لابد اذن من تجنبها تماما. الادعاء طبعا يبدو جنوني! .. يعني مثلا لو عاوز توصل في مكان ما في توقيت ما غالبا ما هتبحث عن وسيلة مواصلات توصلك في الوقت المناسب، فرضية ان من الممكن ان وسيلة المواصلات دى تحصل فيها مشكلة، مثلا حادثة، او عطلة، او السائق يخطف الركاب، كلها فرضيات جائزة لكن مافيش اى فرد عقلاني هيتظر للاحتمالات دى على انها كافية لانه يلغي قاعدة ان paul-feyerabend-5bdd91b1-646c-4557-a0ff-1e54a1620f1-resize-750.jpegوسيلة المواصلات هى الافضل لايصالة للمكان في الوقت المناسب. كل تطبيقاتنا اليومية لقواعد التصرفات العقلانية بتفترض حكمنا على احتمالية نتائج التصرفات دى، ايها غالب الحدوث، ايها قليل الحدوث، وايها نادر ان ماكنش نادر الحدوث، وأحيانا قد نكون قادرين على وضع قيمة كمية على احتمالية الحدوث، وفي كثير من الوقت قد نكون غير قادرين على هذا ونعتمد على تقديرنا النسبي للأمور. في التصرفات العقلانية لا يوجد شئ مضمون لكن مازلت بعض القواعد مبررة بالرغم من هذا ( نظرية الاحتمالات لبيشان Bayesian theory قائمة على الفكرة دى وهنرجع نناقشها في حلقات مستقبلية). والامر الصحيح بالنسبة لتصرفات الافراد اليومية صحيح ايضا بالنسبة للعلم. فكرة ان مجر احتمال قاعدة ما تقود لتوابع سيئة لا تثبت كثيرا. احنا محتاجين اكثر من “مجرد احتمال” قبل ما نكون مُبررين في الشك في مبدأ ما. العلم فعلا  “ربما” يستفيد من كل صور القرارات الغريبة والغير مألوفة، لكن “ربما” ليست كافية. اذن اصبحنا امام مزيج من افكار جيدة وأخرى سيئة في طرح فيربيند. ومش من الامانة الفكرية ومنهج البحث عن الحقيقة ايا كان مصدرها ان نتجنب قوة المثال التاريخي اللى طرحة فيربيند وان فعلا لو طبقنا مبادئ فلسفة العلم العامة حول التجريبية في القرن السابع عشر النتيجة غالبا ما كانت ترجيح النموذج الارسطوطالي على الكوبرنيكي. لكن في نفس الوقت بكل تأكيد لاتوجد ادلة كافية على ان النظريات الفلسفية المتطورة بشكل كافي ستقود المجتمع العلمي للقرار الخاطئ، في أقل تقدير لو اتبعنا قواعد لودان Laudan كان بعض العلماء سيسعي وراء برنامج جاليليو البحثي بناء على ازدياد معدل قدرتة التفسيرية ومع مرور الوقت كان سيصبح من العقلانية قبول طرح جاليليو!

المثابرة والانتشار في العلم Scientific Tenacity and Proliferation

image1170x530cropped.jpg

فيربيند أعتقد ان العلم بيستفيد من وجود تنوع كبير في الافكار ووجهات النظر البديلة. في ورقته البحثية التي نشرها سنة 1970 عن فلسفة كلا من كوهن ولاكاتوس، فيربيند  اقترح مبدأين من الممكن ان يقودوا عملية البحث العلمي، الأول هو مبدأ المثابرة principle of tenacity  اللى جادل فية ان لابد للعلماء من التمسك بالنظريات الجذابة بالرغم من المشاكل اللى من الممكن تقابلها في البداية واعطائها فرصة. لكن لو كل الباحثين اتبعوا المبدأ ده لن يتغير شئ، علشان كدة فيربيند بيضيف المبدأ الثاني “مبدأ الانتشار principle of proliferation” اللي بيدفع فيه الباحثين لصياغة نظريات وأفكار جديدة. كوهن تصور ان انتشار الأفكار الجديدة هو بداية الازمات. هي دي الصورة المثالية التى تصورها فيربيند عن العلم، جماعة من الناس بتعمل على تطوير نظريات قديمة والعمل على صياغة نظريات جديدة. بعض العمل مطلوب لتطوير الأفكار والنظريات الحالية، لكن هذا لا يجب أن يتعارض مع العمل الخلاق لصناعة افكار جديدة. فيربيند ادعي ان افكاره مستقاة من تقاليد وأفكار الفيلسوف والسياسي جون ستيوارت ميل John Stuart Mill في عمله الخالد “عن الحرية  On Liberty” اللى نشرة سنة 1859 ميل جادل ان المجتمع اى مجتمع بيستفيد من تنوع الافكار وطرق الحياة. انتشار وتعددية الأفكار والنظريات الجديدة بيخلق سوق أفكار، فيه أفكار عديدة ومتنوعة مُتاحة والافضل يسود. فيربيند جادل أن البشر On-Liberty-by-John-Stuart-Mill-book-cover.jpgقادرة فقط على رؤية حدود ونقط ضعف الأفكار والنظريات فقط عند محاولة الخروج عليها، على الاقل بصورة مؤقتة. صياغة وجهة نظر جديدة، أصلية، ومبتكرة ضد الأفكار المألوفة لدينا وغير قابلة للنقد عادة ما بيكون بداية التقدم. اللى عادة بنعتقد انه حقائق ثابتة established facts  حتى الحقائق المُلاحظة منها، عادة ما بتكون مُحملة بنظريتنا ومعتقداتنا laden وتصورنا القديمة عن الواقع. اى وجهة نظرة خارجية غير مألوفة مفيدة، النظريات البديلة وحتى وان كان بها كم هائل من المشاكل، ان توفر هذا النوع من مصادر وجهات النظر الخارجة عن المألوف. فكرة. طرح سوق الأفكار ووجهات النظر الخارجية الغير مألوفة قوى جدا، لكن فيربيند ترك فكرة مهمة جدا أضعفت طرحة بشكل كبير، وهى فكرة رفض او اقصاء الأفكار! منظومة فيربيند لو اتبعها العلماء ستتراكم الأفكار في كل مجال علمي بلانهاية لان لاتوجد طريقة لرفض الأفكار والنظريات. وبعض الأفكار مع الوقت ستصبح مملة وسيتم التخلص منها لمجرد أنها مملة ليس الا. لكن بجانب الممل، لا توجد طريقة أخرى للتخلص من الافكار، والسؤال سيصبح الآن .. ازاى هنطبق النظريات المتراكمة دى على المشاكل العملية؟ … ازاى هنصنع مركبة فضاء؟ .. أو نركب دواء؟ .. أو حتى نبني كوبري؟ .. اى النظريات والافكار دى هنستخدم؟ .. اكيد مش اكثر الافكار ابداع؟! …  في الحقيقة فيربيند ما قدمش إجابة شافية ابدا على هذا التساؤل ، لو فعلا كل المطلوب من العلم أن يكون مجتمع من المناقشات الخلاقة حول أفكار ابداعية، إذن وصفة فيربيند هي المناسبة. والعلم وقتها سيصبح مثله مثل الفن! … لكن لو مهمة ارشادنا لحل مشاكل عملية، أذن طريقة فيربيند يبدو أنها غير مناسبة تماما. لو العلم يجب تطبيقه على المشاكل العملية، إذن لابد من وجود آلية اختيار في العلم، آلية لرفض الأفكار. آليات خلق وانتشار الأفكار البديلة مهمة وجزء أساسي من العلم لكن آليات الاختيار والرفض على نفس القدر من الاهمية.

منظومات التغيير العلمي Frameworks of Scientific Change

579369adminLupinepublishers-openaccessjournals-Forensicscience-PRJFGS.jpg

 عملية التغيير داخل العلم اللى ناقشناها من بداية سلسلة فلسفة العلم حتى اللحظة غلب عليها فكرتين أساسيتين او مستوين رئيسين (1) التغير داخل حدود اطار منظومات العمل القائمة (2) التغير على مستوى المنظومات نفسها. لكن هناك وصف آخر لعملية التغير  بدلا من عمليتين مستقلتين كنظرية واحدة موحدة للتغير العلمي لايوجد فيها تفريق كمي بين هذين النوعين. النوع ده كارل بوبر كان اهم انصارة اللى شاف ان التغير العلمي على انه دائما نفس العملية، دورة غير منتهية من التخمين والدحض  conjecture and refutation. بتعمل على مستوى تغير التفاصيل داخل النظرية وايضا على مستوى التغيرات الجوهرية في الرؤية الكونية. أما كوهين على النقيض، شاف نوعين مختلفين جوهريا لعملية التغير داخل العلم، تغير داخل النماذج الفكرية paradigms  وتغير ما بين النماذج الفكرية من خلال عمليات مختلفة تماما عن الاولي. النموذج paradigms هو تقريبا منظومة العمل داخل مجال علمي ما، التغير داخلها بيتم من خلال المبادئ اللى وضعها النموذج لأحداث التغير داخلة. ولان النماذج الفكرية المختلفة بتضع تلك المبادئ والقواعد لاحداث التغير بيصبح التحول من نموذج لأخر مشكلة اكبر، من الصعب وصفة، بيتحرك خارج اطار القواعد لان لايوجد نموذج سيضع قواعد التحول عليةـ وبالتالي يكون عملية غير منظمة تماما. اذن بوبر وكوهين اختلفوا جوهرين ان كان التغير العلمي داخل العلم موحد ام يحدث على Wvq-passport-1975-400dpi-crop.jpgمستويين! .. أختلاف أخر ما بين الفلاسفة حول عملية التغير العلمي كان بين كارنب Carnap و كوين Quine. كارنب استخدم مصطلح المنظومة اللغوية Linguistic Framework للتفريق ما بين النقلات والتغيرات الحادثة داخل المنظومة والحادثة خارجها أو عليها. المبادئ الأساسية للمنظومة بتظهر في صورة كجمل تحليلية Analytical Sentences لو تم تحديدها بدقة. التغير داخل المنظومة بيشتمل على عملية تقييم واختبار الادعائات الاصطناعية او التركيبية synthetic. بالنسبة لكارنب من الممكن وجود عدد كبير من منظومات العمل العلمية والباحثين والعلماء قد يتحولوا ما بينها، لكن هذا التحول تحكمة عملية مختلفة عن التحول داخل منظومة العمل الواحدة. التحول ما بين منظومات العمل غير مرتبط بنتائج واقعية محددة، لكنه مرتبط اكثر بالتقييم العملي للفائدة العامة من تلك المنظومة! .. منظومات عمل كارنب أبسط بكثير من كوهين القواعد الأساسية اللى بتحكم التغير فيها قواعد لغوية ومنطقية وليست قوانين أو مبادئ علمية. أما فيلسوف التحليلية الامريكي الاشهر كوين Quine  في كتابة المهم “عقيدتي التجريبية Two Dogmas of Empiricism  ” اللى نشرة سنة 1951 جادل ضد فكرة كارنب عن الرؤية الطبقية للغة والمعرفة. وجادل أن كل التغيرات اللى بتحدث لمنظومة اعتقادنا كبشر سواء كانت صغيرة ام كبيرة قائمة على نفس نوع التفكير الكلي داخل شبكة معتقداتنا. او بصورة ابسط، نحن نستوعب التجربة عن طريق إجراء أقل عدد ممكن من التغييرات على شبكة معتقداتنا وإبقاء نظرتنا للعالم بسيطة قدر الإمكان. وبالتالي لا يوجد فرق بين التغييرات داخل والتغيير ات بين الأطر أو منظومات العمل العلمية.

main-qimg-063ea7ce353c0a0c73967d7fe031bd7e.jpg

أذن نحن امام مدرستين من التفكير في عملية التغيير العلمي، مدرسة ترى التغير كعملية واحدة موحدة وأخرى ترى التغير كعمليتين مستقلتين. في الحقيقة في النصف الثاني من القرن العشرين كثير من فلاسفة العلم والعلماء كانوا مقتنعين أكثر برؤية كوين الكلية Holism اللى طرحها بناء على رؤية عامة لعملية العلم وليس بالتحديد على تاريخ العلم أو حوادث مقتبسة منه زى ماعمل بوبر وكوهين. ويمكن أكثر أطروحاته قوة هو ان لا توجد طريقة لتحديد التغيير داخل المنظومة و التغير خارج المنظومة بطريقة علمية لا تحاول التهرب من المشكلة. وكوهين على الجانب الاخر لم توجد لدية مشكلة في التفريق ما بين العلم المألوف Normal Science والتغييرات الثورية. وشاف عمليتى التغيير داخل العلم كحقيقة تاريخية! .. فيلسوف العلم الامريكي المعاصر مايكل فريدمان Michael Friedman في كتابة المهم “ديناميات العقل Dynamics of Reason” اللى نشرة سنة 2001 جادل أن كوهن كان على صواب في طرحة وكوين كان مخطئ! .. واكمل ان بالنظر لحلقات التطور في تاريخ العلم سيكون واضح جدا بالنسبة لنا منظومات العمل المختلفة والانتقال داخلها وما بينها كعمليتين مختلفتين للعلم، وسيكون من السهل علينا فهم كيف يتطور العلم بالنظر الى تاريخه. وشاف ان مشكلة كوين في أنه غير قادر على رؤية معالم واضحة ما بين نوعي التغيير هو انه معايرة لهذه الحدود صارمة للغاية.  هل فعلا إنكار كوين لرؤية عمليتى التغير كان مبرر؟ .. الفيلسوف الأمريكي توماس ريكيتس Thomas Ricketts في ورقة بحثية بعنوان “العقلانية، 31ZN9RPMR4L._SX315_BO1,204,203,200_.jpgالترجمة، ونظرية المعرفة الموحدة Rationality, Translation, and Epistemology Naturalized” نشرها سنة 1982 دافع عن كوين وحاول التوضيح والاستفاضة في رؤية كوين ضد التغيير العلمي من خلال عمليتين! … يعني لو تصورت ان عالم وضع مجموعة من القواعد الاساسية على باب المختبر واصر على ان هذه المبادئ تشكل إطار عمل بحثة العلمي، المبادئ دى قد تتغير، والعالم وقتها قد يقول إن المبادئ تغيرت من خلال عملية خاصة، وفي الحالة دى كوين لابد وأنه يقبل أن عملية التغيير العلمي ذات مستوين! .. لكن المبادئ اللى على باب المختبر من الممكن أن تتغير داخل المعمل بالرغم من أن العالم لن يغيرها على باب المعمل!  وطالما بقيت العملية اللى حدث بها التغيير لمعتقدات العالم واحدة، إذن كوين مُحق حول رؤيته الكلية عن طبيعة الاختبار! … العملية البراجماتية لأحداث تعديلات من أجل تجنب المُلاحظات الغير متوقعة والحالات الغير مفسرة هى كل ما يحدث في العلم، سواء كانت الأفكار معلقة على باب المختبر ام لا! .. لا يوجد اى معنى في أن التحركات والتغيرات داخل المنظومة تسترشد بالوقائع والتغييرات خارج المنظومة عملية اخرى! كل التغييرات يتم إجراؤها على أي اعتقاد تنتج عن نفس النوع من التغييرات والتعديلات على شبكة المعتقدات الكلية! .. واضح اننا رجعنا مرة أخرى لسؤال الاختبار والتحقق Confirmation علشان نقدر نجاوب على سؤال ان كان التغيير العلمي يحدث من خلال عملية واحدة أم اثنتين داخل العلم. على اى حال بشكل عام يبدو ان فكرة كوهين عن العمليتين المختلفتين للتغير العلمي لاقت نجاح أكبر من طرح كوين، واصبح هناك رؤى اخرى على نفس النهج زى ما شفنا طرحها لاكاتوس او لودان مختلفة في تفاصيلها لكن جوهرها واحد وهو ان التغيير في العلم بيحدث من خلال عمليتين. وفي الحقيقة المنطقة دى في فلسفة العلم اصبحت حية بالمناقشات مؤخرا، والموضع قد يفرد له حلقات كاملة من كلام فلسفة، وشبح إيمانويل كانت Immanuel Kant مخيم على تلك المناقشات، لانه كان اول من طور رؤية مفصلة لإطار عقلي يرشد عملية البحث التجريبي. اللى جادل فيه ان الاطار الاساسي لفهم العالم واحد وثابت وموحد في عقلانية كل البشر، ولن نقدر ابدا على الهروب من هذا الاطار، ولن نريد الهروب منه حتى وان استطعنا! … خلال القرن العشرين كثير من الفلاسفة رؤا فكرة خريطة عقلية او اطار و منظومة عمل بحثية فكرة جذابة جدا لكنهم اصروا على ان المنظومات والاطر دى من الممكن تغيرها وليست واحدة او ثابتة عبر كل الثقافات.  على اى مش كل فلاسفة العلم من الممكن تصنيفهم على انهم من داعمي رؤية التغيير العلمي من خلال عملية واحدة او عمليتين، فيربيند مثلا احد الحالات الخاصة دى، لان بالرغم من إدراكه للقوة النفسية لمنظومات العمل الكونية واللغوية الواحدة، الا انه اصر على ان الفرد المبدع قادر دائما على مقاومة حدود تلك المنظومات. وبوبر كمان رفض فكرة الأطر والمنظومات كقيود على الفكر والمعرفة. واطلق عليها “اسطورة الإطار the myth of the framework”، فيربيند لم يرى المنظومات وهمية او اسطورية لكنها شاف ان من الممكن بل ولابد مقاونة حدودها والتغلب عليها!

رؤية أخرى طرحها الفيلسوف الاميريكي المعاصر بيتر جاليسون Peter Galison في كتابه المهم ” الصورة والمنطق: ثقافة مادية للفيزياء الفلكية Image and Logic: A Material Culture of Microphysics” اللى نشرة سنة 1997 وجادل فية ان عادة التغييرات الجوهرية داخل العلم غير متوافقة مع بعضها. في حين ان كوهين وصف العملية كتغيير متناغم متسق فى وقت واحدsimultaneous change  في الافكار النظرية ، الطرق، الادوات، المعايير القياسية، والبيانات المُلاحظة. جاليسون جادل ان داخل الفيزياء مثلا، التغيرات الجوهرية في التقاليد التجريبية عادة ما بتحدث بشكل غير متناغم او متسق او في وقت واحد nonsimultaneously مع التغيرات الحداثة في النظريات! .. ده بسبب الاستقلالية الجزئية لتلك الجوانب داخل عملية العلم الحادثة على إطار كبير. وبالتالي التغييرات والتحولات النظرية الكبري بتتم لان هناك جوانب أخرى من عملية البحث العلمي لن تتغير في نفس الوقت! .. اى ان الثورة والتحول العلمي بيحدث بشكل ابطئ واكثر تدريجيا مما وصفة كوهن، وهناك طرق متعددة من الممكن ان يستخدمها العلماء داخل منظومة العمل العلمي في مجال واحد من أجل مناقشة التحول المرحلى او الجزئى من منظومة لأخرى بطريقة منظمة. طرح جاليسون بيظهر لنا ان هناك صورة مختلفة للتفكير في صورة متعددة ومختلفة من عملية التغيير العلمي. وان لابد لنا وان نهجر فكرة ان التغيير لابد وان يتم اما عن طريق عملية واحدة (كما اعتقد بوبر، كوين، وفيربيند)  او عمليتين (كما أعتقد كارنب، كوهين، لاكاتوس، لودان، وفريدمان) .. الواقع أكثر تعقيدا، والاطر المختلفة لها ادوار مختلفة، مش من المفروض أننا نعتقد ان إطار كانط الفكري بيلعب نفس الدور في تقاليد لودان البحثية مثلا، دول شيئين مختلفين تماما!

virus_504_801826246_0_0_14117378_1200.jpg

القصة اللى بدأنا بيها مقتبسة عن الفيلم الأمريكي “زيت لورنزو Lorenzo’s Oil” اللى تم أنتاجة سنة 1992 و المأخوذ عن قصة حقيقة لأجوستو اودن وزوجته ميكالا اودن والدى الطفل لورنزو Lorenzo المصاب بمرض ALD وأصبحوا مشهورين بعد تطويرهم للعلاج مثار الجدل الكبير داخل المجال الطبي لمرض ALD المعروف بزيت لورنزو بعد رحلة صراع طويلة مع مرض ابنهم. من خلال قصة الفيلم حاولت أعرض لك صورة لصورة خارجة عن المألوف من قواعد وبروتوكولات البحث العلمي. والدى لورينزو كانوا في سباق مع الزمن من اجل انقاذ حياة ابنهم، ولم يكونوا علماء او أطباء مدربين، لكن بالمثابرة، والبحث، والانتشار بالأفكار في عدد من الاتجاهات الخارجة عن السياق كما طرح فيربيند نجحوا في تطوير زيت قادر على تقليل نسبة الاحماض الدهنية طويلة السلسلة لمعدلاتها الطبيعية 51q5otuFjvL._SY445_.jpgفي جسم ابنهم وانقاذ حياته من الموت! في رحلة بحثهم خرقوا العديد من قواعد أختبار العقارات الطبية الجديدة، وطرق تطوير الفرضيات واختبارها، بل وحتى طرق جمع البيانات الاحصائية وبناء فرضيات عليها. لكنهم نجحوا في نهاية المطاف في سعيهم. وأصبح زيت لورنزو السبب في علاج آلاف الحالات المصابة بمرض ALD من بعده وعاش حتى أصبح عمره 30 سنة بعد أن توقع الأطباء أن حياته ستنتهي في خلال عامين. تكليل لجهود والديه عن اكتشافهم للعلاج وبحثهم الغير تقليدى او مألوف جامعة ستيرلنج منحة أجوستو والد لورنزو درجة الدكتوراة الفخرية، اللى استمر في دعم جهود البحث العلمي من خلال تأسيس مشروع الميالين The Myelin Project الخيرى لمساعدة ودعم مرضى الـ ALD. كل شئ جائز في البحث العلمي طالما كان الهدف هو الوصول للحقيقة، فيربيند أستخدم الكلمات دى لرسم الإطار الفكري لمنظومته الفكرية حول عملية التغيير العلمي وطبيعة العلم، الأمر اللى أثار جدل واسع واتهام له من البعض بالعبثية اللى شافوا العلم منظومة من القواعد والبروتوكولات المحكمة الواجب اتباعها بدقة من اجل احداث التغيير العلمي!

ودلوقتى .. فكر فى أفضل النظريات العلمية اللى تعرفها … هل ياترى التغيير في تلك النظريات دائما ما تم بناء على قواعد محددة وواضحة؟ .. وهل فعلا التغيير العلمي ذو مستويين؟ … تغيير داخل المنظومة .. وتغيير على المنظومة؟ … هل فعلا كل شئ مباح في العلم طالما سيقود للحقيقة؟ … وهل القواعد والقوانين العلمية فعلا عقبة أما آليات الابداع العلمي؟ .. لكن بدون قواعد وآليات الاختبار والرفض، العلم سيصبح نشاط إبداعي غير قابل للتطبيق .. فكر تاني

Download MP3:

في الحلقة الجاية .. هننتقل من البحث في أعماق الطريقة العلمية للمجتمعات العلمية، تركيبتها ومشاكلها … عن مجتمعات العلم … برامج البحث العلمي … الدراسات العلمية .. وحروب العلم .. هنتفلسف المرة الجاية

من دلوقتي للحلقة الجاية

عيش الحياة بفلسفة

 

زود معلوماتك:

Peter Godfrey-Smith – Theory and Reality

https://goo.gl/GeKj3K

Alex Rosenberg – Philosophy of Science: A Contemporary Introduction

https://goo.gl/RRfoqg

James Ladyman – Understanding Philosophy of Science

https://goo.gl/DfrzG4

George Couvalis – The Philosophy of Science: Science and Objectivity

https://goo.gl/c2eosa

Carl G. Hempel – Philosophy of Natural Science

https://goo.gl/Dc53as

Alan F. Chalmers – What Is This Thing Called Science

https://goo.gl/5khso5

The Blackwell Companion to the Philosophy of Science

https://goo.gl/BwQf5o

توماس كوهن Thomas Kuhn

http://bit.ly/2Px6G8l

هيكل الثورات العلمية The Structure of Scientific Revolutions

http://bit.ly/2PygIG4

تحولات النموذج الفكري paradigm shifts

http://bit.ly/2Px6KF7

الملاحظة المحملة بالنظرية theory-laden

http://bit.ly/2Pxv4Xj

انعدام قابلية القياس للمقارنة Incommensurability

http://bit.ly/2PACIA2

Epistemological anarchism الفوضوية المعرفية

http://bit.ly/2YVg5Ki

Feyerabend فيربيند

http://bit.ly/2Z7box7

Against Method ضد الطريقة

http://bit.ly/2Z3lkaN

Imre Lakatos امري لاكاتوس

http://bit.ly/2Z5Y7F5

Research Programs برامج البحث العلمي

http://bit.ly/2YYezHl

Larry Laudan لارى لودان

http://bit.ly/2YZZjJR

On Liberty عن الحرية

http://bit.ly/2Z4oLxN

Quine كوين

http://bit.ly/2Z2LHgS

Peter Galison بيتر جاليسون

http://bit.ly/2YZCTsf

Lorenzo’s Oil زيت لورنزو

http://bit.ly/2Z4py1J

Music Credit

===========

Naseer Shamma – Happened at All: Amiriyaa

https://goo.gl/r0ijGP

Symphony No. 5 In C Sharp Minor: Adagietto

http://bit.ly/2Z4nzKP

Brandon Fiechter – Fairy Realm

https://goo.gl/t7zXPZ

Derek Fiechter – Dance of the Shadows

https://goo.gl/hec9Ah

Brandon Fiechter – Waltz of the Fairies

https://goo.gl/1Bexxp

Derek & Brandon Fiechter – Dark Mystery

https://goo.gl/fejt6i

Kevin MacLeod – Pooka

https://goo.gl/lslojY

للتواصل ومتابعة باقى الحلقات تابعونا على:

https://www.facebook.com/KalamFalsfa

https://kalamfalsfa.wordpress.com

https://plus.google.com/u/0/+KalamFalsfa

https://archive.org/details/@kalamfalsfa

 

Leave a comment